أي وهو الحق الثابت الذي لا مرية فيه ، بالهم : أي حالهم فى الدين والدنيا بالتوفيق لصالح الأعمال ، وأصل البال : الحال التي يكترث بها ، ولذلك يقال ما باليت به : أي ما اكترثت به ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم «كل أمر ذى بال» الحديث. يضرب الله للناس أمثالهم : أي يبين لهم مآل أعمالهم وما يصيرون إليه فى معادهم.
المعنى الجملي
قسم سبحانه الناس فريقين : أهل الكفر الذين صدوا الناس عن سبيل الله ، وهؤلاء يبطل أعمالهم سواء كانت حسنة كصلة الأرحام وإطعام الطعام ، أو سيئة كالكيد لرسول الله والصدّ عن سبيل الله ، فالأولى يبطل ثوابها ، والثانية يمحو أثرها ، وهكذا كل من قاوم عملا شريفا فإن مآله الخذلان.
وأهل الإيمان بالله ورسوله الذين أصلحوا أعمالهم ، وأولئك يغفر الله لهم سيئات أعمالهم ويوفقهم فى الدين والدنيا ، كما أضاع أعمال الكافرين ولم يثب عليها.
ثم علل ما سلف بأن أعمال الفريقين جرت على ما سنه الله فى الخليقة : بأن الحق منصور ، وأن الباطل مخذول سواء كان فى أمور الدين أم فى أمور الدنيا ، فالصناعات المحكمة إنما يقبل الناس عليها ويؤثرونها ، لأنها جارية على الطريق القويم والنسق الحق ، وهكذا الشأن فى المزروعات والمصنوعات المتقنة الجيدة ، والسياسات الحكيمة.
والصناعات المرذولة والسلع المزجاة لن يكون حظها إلا الكساد والبوار ، لأن الباطل لا ثبات له ، والحق هو الثابت ، والله هو الحق فينصر الحق ، والعلم الصحيح والدين الصحيح والصناعات الجيدة والآراء الصادقة نتائجها السعادة ، وضدها عاقبته الشقاء والبوار.
وقصارى ذلك ـ إن الله سبحانه خلق السموات والأرض بالحق وعلى قوانين ثابتة منظمة ، فكل ما قرب من الحق كان باقيا ، وكل ما ابتعد عنه كان هالكا ، فرجال الجدّ والنشاط مؤيدون ، ورجال الكسل والتواكل مخذولون ، والمحققون فى كل شىء محبوبون منصورون.