ثم ذكر مآل أمرهم بعدها فقال :
(فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي فجاءتهم الريح فدمرتهم ، فصاروا بعد الهلاك لا يرى إلا آثار مساكنهم ، إذ قد اجتاحت الأموال ، وأذهبت الأنفس ، وجعلتها أثرا بعد عين.
روى عن ابن عباس : أن أول ما عرفوا أنه عذاب أليم أنهم رأوا ما كان فى الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير به الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلّقوا أبوابهم ، فقلعتها الريح وصرعتهم : وأحال الله عليهم الرمال فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ، ثم كشفت الريح عنهم الرمال فاحتملتهم فطرحتهم فى البحر.
أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عائشة رضى الله عنها قالت : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا عصفت الريح قال : اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ، فإذا أخيلت السماء تغير لونه صلّى الله عليه وسلّم وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرّى عنه ، فسألته ؛ فقال عليه السلام لا أدرى لعلّه كما قال قوم عاد (هذا عارض ممطرنا)».
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت : «ما رأيت رسول الله مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته (١) وإنما كان يبتسم ، وكان إذا رأى غيما وريحا عرف ذلك فى وجهه ، قلت يا رسول الله : الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف فى وجهك الكراهية ، قال : يا عائشة وما يؤمّننى أن يكون فيه عذاب ، عذّب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا».
وفى صحيح مسلم عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور. (٢)»
__________________
(١) واحدها لهاة : وهى اللحمة المشرفة على الحلق فى أقصى سقف الفم.
(٢) الصبا : ريح الشمال ، والدبور : ريح الجنوب.