أخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد والطبراني وجماعة عن أبى الضحى قال :
قرأ تميم الداري سورة الجاثية فلما أتى على قوله «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ» الآية لم يزل يكررها ويبكى حتى أصبح وهو عند المقام.
وأخرج ابن أبى شيبة عن بشير مولى الربيع بن خيثم أن الربيع كان يصلى فمرّ بهذه الآية (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ) فلم يزل يردّدها حتى أصبح.
وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه إذا قرأها : ليت شعرى من أي الفريقين أنت؟
ثم أقام الدليل على عدم التساوي وأبان حكمة ذلك فقال :
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي لم يخلق الله السموات والأرض للجور والظلم ، بل خلقهما للحق والعدل ، ومن العدل أن يخالف بين المحسن والمسيء فى العاجل والآجل.
(وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي وليثيب كل عامل بما هو له أهل ، فلا يبخس المحسن ثواب إحسانه ، أو يحمل عليه جرم غيره فيعاقبه به ، أو يجعل للمسىء ثواب إحسان غيره.
والخلاصة ـ كل عامل يجزى بما كسبت يداه ، ولا يظلم بنقص ثواب ، ولا بتضعيف عقاب.
ثم بين أحوال الكافرين وذكر جناياتهم على أنفسهم فقال :
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ؟) أي انظر واعجب من حال من ركب رأسه ، وترك الهدى ، وأطاع الهوى ، فكأنه جعله إلها يعبده من دون الله ، فهو لا يهوى شيئا إلا فعله ، لا يخاف ربا ولا يخشى عقابا ، ولا يفكر فى عاقبة ما يعمل.
وفى هذا إيماء إلى ذم اتباع هوى النفس ، ومن ثم قال وهب بن منبّه : إذا شككت فى خير أمرين فانظر أبعدهما من هواك فأته. وقال سهل التّسترى : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك ، وقال الإشبيلى الزاهد :