فتقابلت الجملتان من حيث عطف فيهما مغسول محدود على مغسول غير محدود ، وممسوح محدود على ممسوح غير محدود .
فأمّا من ذهب إِلى التخيير ، وقال : أنا مخيّر في أن أمسح الرجلين وأغسلهما ؛ لأنّ القراءتين تدلّان على الأمرين كلاهما ، مثل : الحسن البصريّ (٤٨) ، والجبّائيّ (٤٩) ، ومحمّد بن جرير الطبريّ (٥٠) ، ومن وافقهم (٥١) ، فيسقط قولهم بما قدّمناه من أنّ القراءتين لا يصحّ أن تدلّا إِلّا على المسح ، وأنّه لا حجّة لمن ذهب إِلى الغسل ، وإِذا وجب المسح بطل التخيير .
وقد احتجّ الخصوم لمذهبهم من طريق القياس ، فقالوا : إِنّ الأرجل عضو يجب فيه الدية ، اُمرنا بإِيصال الماء إِليه ، فوجب أن يكون مغسولاً كاليدين .
وهذا احتجاج باطل وقياس فاسد ؛ لأنّ الرأس عضو يجب فيه الدية ، وقد اُمرنا
______________________________
(٤٨) الحسن بن يسار البصريّ ، كان إِمام أهل البصرة ، وهو أحد العلماء الفقهاء العظماء الشجعان النسّاك ، ولد بالمدينة وشبّ في كنف الإِمام عليّ عليه السلام ، وسكن البصرة وتوفّي بها في سنة ١١٠ هـ .
اُنظر : سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٦٣ ، حلية الأولياء ٢ : ١٣١ ، وفيات الأعيان ٢ : ٦٩ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٢٦٣ .
(٤٩) محمد بن عبد الوهّاب بن سلّام الجبّائي ، من أئمّة المعتزلة وإِليه نسبت الطائفة الجبّائيّة ، اشتهر في البصرة وتوفّي بها في سنة ٣٠٣ هـ .
وفيات الأعيان ٤ : ٢٦٧ ، الفرق بين الفرق : ١٨٣ ، سير أعلام النبلاء ١٤ : ١٨٣ ، الملل والنحل ١ : ٧٣ ، لسان الميزان ٥ : ٢٧١ .
(٥٠) محمّد بن جرير بن يزيد الطبريّ ، المؤرّخ والمفسّر ، ولد في آمل بطبرستان ، واستوطن بغداد وتوفي بها في سنة ٣١٠ هـ .
سير أعلام النبلاء ١٤ : ٢٦٧ ، تأريخ بغداد ٢ : ١٦٢ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٩١ ، تذكرة الحفّاظ ٢ : ٧١٠ .
(٥١) وقد وافقهم أيضاً ابن العربيّ والأَوزاعيّ والثوريّ ، وأوجب الناصر للحقّ من أئمّة الزيديّة وداود الأصفهاني الجمع بين المسح والغسل .
اُنظر : المبسوط ـ للسرخسيّ ـ ١ : ٨ ، المجموع ١ : ٤١٧ ، المغني ١ : ١٥٠ ، البحر الزخّار ٢ : ٦٧ ، الفتوحات المكّية ١ : ٣٤٣ ، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبيّ ـ ٦ : ٩١ ـ ٩٢ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٣٤٥ ، تفسير الطبريّ ٦ : ٨٣ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٢ : ٥٧٥ ، التفسير الكبير ـ للفخر الرازيّ ـ ١١ : ١٦١ ، الكشف عن وجوه القراءات ١ : ٤٠٦ .
واُنظر : الخلاف ـ للطوسيّ ـ ١ : ٩٠ ، مجمع البيان ـ للطبرسيّ ـ ٢ : ١٦٤ .