كانوا يمشون حفاة فتشقّق أعقابهم ، فيداوونها بالبول على قديم عادتهم ، ثمّ يتوضؤون ولا يغسلون أرجلهم قبل الوضوء من آثار النجس ، فتوعّدهم النبيّ صلّی الله عليه وآله بما قال ، وكلُّ هذا في حيّز الإِمكان .
ثمّ يقال له : وقد قابل ما رويت أخبار هي أصحّ وأثبت في النظر ، والمصير إِليها أوْلى ، لموافقة ظاهرها لكتاب الله تعالى :
فمنها : أنّ النبيّ صلّی الله عليه وآله قام (٥٩) بحيث يراه أصحابه ، ثمّ توضّأ فغسل وجهه وذراعيه ، ومسح برأسه ورجليه (٦٠) .
ومنها : أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال للناس في الرحبة (٦١) : « ألا أدلّكم على وضوء رسول الله صلّی الله عليه وآله » ؟
قالوا : بلى .
فدعا بقعب (٦٢) فيه ماء ، فغسل وجهه وذراعيه ، ومسح على رأسه ورجليه ، وقال : « هذا وضوء من لم يحدث حدثاً » (٦٣) .
فإِن قال الخصم : ما مراده بقوله : « وضوء من لم يحدث حدثاً » ؟ وهل هذا إِلّا دليل على أنّه قد كان على وضوء قبله ؟
قيل له : مراده بذلك أنّه الوضوء الصحيح الذي كان يتوضّؤه رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وليس هو وضوء من غيّر وأحدث في الشريعة ما ليس منها .
ويدلّ على صحّة هذا التأويل ، وفساد ما توهّمه الخصم : أنّه قصد أن يريهم فرضاً يعوِّلون عليه ويقتدون به فيه ، ولو كان على وضوء قبل ذلك ، لكان لم يعلّمهم الفرض الذي هم أحوج إِليه .
______________________________
(٥٩) في الأصل : قال .
(٦٠) سنن أبي داود ١ : ٤١ / ١٦٠ ، كنز العمّال ٩ : ٤٧٦ / ٢٧٠٤٢ ، تفسير الطبريّ ٦ : ٨٦ .
(٦١) الرحبة : قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة . « معجم البلدان ٣ : ٣٣ » .
(٦٢) القعب : قدح من خشب مقعّر . « الصحاح ـ قعب ـ ١ : ٢٠٤ » .
(٦٣) تفسير الطبريّ ٦ : ٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير ـ ٢ : ٢٨ ، الدرّ المنثور ٢ : ٢٦٢ .