لكنّ بعض من أنكره قال بعدم الطهارة ، إلّا بما ذكرنا من الإلقاء والنزح والاستهلاك والغور ، متمسّكا بأنّ ما دلّ على نجاسته مطلق شامل لصورة زوال التغيّر أيضا ، خرج منه ما إذا ثبت من الشرع طهارته (١).
وفيه ، أنّ أهل العرف يفهمون منه العرفيّة ، أي ما دام الوصف العنواني ، أي ما دام متغيّرا ، ولو كانوا لا يفهمون العرفيّة فغير ظاهر أنّهم يفهمون العموم المذكور.
نعم ، المتشرعة ربّما يفهمون العموم من جهة رسوخ استصحاب بقاء الأحكام إلى أن يثبت خلافها في أذهانهم ، بحيث يصعب عليهم فهم خلافه ، ويقولون : إنّه ماء محكوم بالنجاسة عرفا ، فالحكم بخلافها شرعا لا يجوز إلّا من دليل شرعي ، إلى غير ذلك.
ومع هذا ربّما ينكرون أنّه استصحاب ، بل يقولون : إنّه من عموم النصّ بالنجاسة ، ولا يتأمّلون أنّ هذا الحكم لو كان مكانه حكم عرفي أو طبّي أو غيرهما لا يفهمون العموم ، مثلا إذا سمعوا من طبيب يقول : إذا كان حامضا فلا تأكله ، لا يفهمون منه شموله لصورة زوال الحموضة بالمرّة وقس عليه غيره حتّى يظهر لك الحال.
ثمّ اعلم! أنّ قول المصنّف : (ونحوه) ، غير شامل لإلقاء الماء الطاهر كرّا أو غيره ، لاتّفاق الفقهاء على كونه مطهّرا في الجملة ، لكن عبارته ربّما توهم ذلك.
والظاهر أنّه أدخل ذلك في قوله : (أو استهلاكه) ، بل الظاهر أنّه ما أراد منه إلّا ذلك.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٦ ، منتهى المطلب : ١ / ٦٤ و ٦٥.