المعنى الجملي
لما بين سبحانه جهالة المعرضين عن دلائل التوحيد ، وسخيف مذاهبهم وآرائهم أعاد الكرة مرة أخرى ، فذكر خمسة أدلة عليه نراها عيانا ، وتتوارد علينا ليلا ونهارا ، وتكون دليلا على وجود الإله القادر الحكيم.
الإيضاح
(١) (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) أي انظر أيها الرسول إلى صنع ربك ، كيف أنشأ الظل لكل مظلّ من طلوع الشمس حتى غروبها ، فاستخدمه الإنسان للوقاية من لفح الشمس وشديد حرارتها.
(وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي ولو شاء لجعله ثابتا على حال واحدة لا يتغير ، لكنه جعله متغير فى ساعات النهار المختلفة ، وفى الفصول المتعاقبة ، ومن ثم اتّخذ مقياسا للزمن منذ القدم ، فاتخذ المصريون (المسلات) وقاسوا بها أوقات النهار على أوضاع مختلفة ، وطرق حكيمة منوّعة ، واتخذ العرب المزاول لمعرفة أوقات الصلاة فقالوا : يجب الظهر عند الزوال : أي إذا تحول الظل إلى جانب المشرق ، والعصر حين بلوغ ظل كل شىء مثله عند الأئمة عدا أبا حنيفة الذي قال : لا يجب إلا إذا بلغ ظل كل شىء مثليه.
(ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) أي ثم جعلنا طلوع الشمس دليلا على ظهور الظل ومشاهدته للحس والعيان ، والأشياء تستبين بأضدادها ، فلو لا الشمس لما عرف الظل ، ولو لا الظلمة ما عرف النور.
(ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أي ثم أزلناه بضوء الشمس يسيرا يسيرا ، ومحوناه على مهل جزءا فجزءا بحسب سير الشمس.
(٢) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) أي ومن آثار قدرته ، وروائع رحمته الفائضة على خلقه ، أن جعل لنفعكم الليل كاللباس يستركم بظلامه