(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي فلما خرج المرسلون من عند إبراهيم وجاءوا قرية لوط أنكرهم لوط ولم يعرفهم وقال لهم : من أي الأقوام أنتم ، ولأى غرض جئتم؟ وإنى أخاف أن تمسونى بمكروه.
ونحو الآية قوله : «وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً» وإنما قال هذه المقالة ، لأنه لم يشاهد من المرسلين حين مقاساة الشدائد ومعاناة المكايد من قومه الذين يريدون بهم ما يريدون ـ إعانة ولا مساعدة فيما يأتى وما يدرحين تجشم الأهوال فى تخليصهم ، فأنكر خذلانهم له ، وتركهم نصره حين المضايقة التي حلت به بسببهم حتى اضطر إلى أن يقول : «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» كما جاء فى سورة هود.
(بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي قال له الرسل : ما جئناك بما خطر ببالك من المكروه ، بل بما فيه سرورك وهو عذابهم الذي كنت تحذرهم منه وهم يكذبونك فيه قبل مجيئه ، فأنّى لك بعد هذا أن تعتريك مساءة وضيق ذرع؟
وخلاصة ما أرادوا أن يقولوا ـ ما خذلناك ، وما خلّينا بينك وبينهم ، بل جئناك بما يدمّرهم ويهلكهم ، من العذاب الذي كنت تتوعدهم به وهم يكذبونك.
واختاروا هذا الأسلوب ولم يقولوا جئناك بعذابهم لإفادة ذلك شيئين : تحقق عذابهم وتحقق صدقه عليه السلام بعد أن كابد منهم كثيرا من الإنكار والتكذيب.
(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي وجئناك بالأمر المحقق المتيقن الذي لا محال فيه للامتراء والشك ، وهو العذاب الذي كتب وقدّر لقوم لوط ، وإنا لصادقون فيما أخبرناك به.
ثم شرعوا يرتبون له مبادئ النجاة قبل حلول العذاب بقومه فقالوا له :
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي فسر بأهلك ببقية من الليل ، وأهله على ما روى هما ابنتاه.