(٩) إنه فى الآخرة فى زمرة الصالحين ، وهو معهم فى الدرجات العلى من الجنة ، إجابة لدعوته قال : «ربّ هب لى حكما وألحقنى بالصّالحين».
وبعد أن وصف إبراهيم بهذه الصفات الشريفة التي بلغت الغاية فى علوّ المرتبة أخبر أنه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلّم باتباعه فقال :
(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي ثم أوحينا إليك أيها الرسول وقلنا لك : اتبع ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة البريئة من عبادة الأوثان والأنداد التي يعبدها قومك ، كما تبرأ إبراهيم من مثلها من قبل ، فأنت متبع له وسائر على طريقه ، وقومك ليسوا كذلك ، لأنهم يحللون ويحرمون من عند أنفسهم.
ونحو الآية قوله فى سورة الأنعام : «قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».
وخلاصة ذلك ـ إنه عليه الصلاة والسلام أمر باتباع ملة إبراهيم بنفي الشرك وإثبات التوحيد ، وإن كان قد ثبت ذلك بالدليل العقلي ، ليظاهر الدليل النقلى الدليل العقلي.
وقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تكرير لزيادة التوكيد وتقرير لنزاهته عليه الصلاة والسلام عما هم عليه من عقيدة وعمل.
ثم نعى على اليهود ما اختلفوا فيه وهو يوم السبت فقال :
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي إنما جعل وبال يوم السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه ، فأحلوا الصيد فيه تارة وحرموه أخرى ، وكان من الحتم عليهم أن يتفقوا فيه على كلمة واحدة بعد أن أمروا بالكف عن الصيد فيه. كما أن وبال التحريم والتحليل من المشركين من عند أنفسهم واقع عليهم لا محالة.
وإن ربك ليفصل بين الفريقين فى الخصومة والاختلاف ، ويجازى كل فريق بما يستحق من ثواب وعقاب.