الإيضاح
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي وقال الذين كفروا بالله لرسلهم حين دعوهم إلى توحيده تعالى وترك عبادة الأصنام والأوثان : لنخرجنكم من بلادنا مطرودين منها ، إلا أن تعودوا فى ديننا الذي نحن عليه ، من عبادة الأصنام كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به : «لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا» الآية ، وكما قال قوم لوط : «أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ» الآية ، وقال إخبارا عن مشركى قريش : «وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها ، وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً».
وخلاصة هذا ـ ليكونن أحد الأمرين لا محالة : إما إخراجكم ، وإما صيرورتكم فى ملتنا ملة الآباء والأجداد ، وهى عبادة الآلهة والأوثان ، وقد مكّن لهم فى ذلك أنهم كانوا كثرة وكان أهل الحق قلة ، كما جرت بذلك العادة فى كل زمان ومكان ، فإن الظّلمة يكونون متعاونين متعاضدين ، ومن ثم استطاعوا أن يبرموا هذا الحكم بلا هوادة ولا رفق ، كما هو شأن المعتزّ بقوته ، الذي لا يخشى اعتراضا ولا خلافا.
والأنبياء صلوات الله عليهم لم يكونوا فى ملتهم ولم يعبدوا الأصنام طيلة حياتهم ، لكنهم لما نشئوا بين ظهرانيهم ، وكانوا من أهل تلك البلاد ، ولم يظهروا فى أول أمرهم مخالفة لهم ـ ظنوا أنهم كانوا على دينهم.
ولما تمادت الأمم فى الكفر وتوعدوا الرسل بأخذهم بالشدة والإيقاع بهم ـ أوحى الله إليهم بإهلاك من كفربهم ، ووعدهم بالنصر والغلب على أعدائهم كما أشار إلى ذلك بقوله :
(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي فأوحى الله إلى رسله قائلا لهم : لنهلكن من تناهى فى الظلم من المشركين ، ولنسكننكم أرضهم وديارهم بعد إهلاكهم عقوبة لهم على قولهم : (لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا).