حكمته ، فجعل الجفن سببا لحفظ العين مما يدخل فيها ، فيؤذيها ، كذلك جعل لغير المحسوسات أسبابا ، فجعل الملائكة أسبابا للحفظ ، وأفعاله تعالى لا تخلو من الحكم والمصالح.
وكذلك جعل لحفظ أعمالنا كراما كاتبين وإن كنا لا ندرى ما قلمهم وما مدادهم؟
وكيف كتابتهم؟ وأين محلهم؟ وما حكمة ذلك؟ مع أن علمه تعالى بأعمال الإنسان كاف فى الثواب والعقاب عليها ، وقد يكون من حكمة ذلك أنه إذا علم الإنسان أن أعماله محفوظة لدى الحفظة الكرام كان أجدر بالإذعان لما يلقاه من ثواب وعقاب يوم العرض والحساب.
ولمفسرى السلف أقوال فى الآية. قال ابن عباس : هم الملائكة تعقّب بالليل ، تكتب على ابن آدم ، ويحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، وذلك الحفظ من أمر الله وبإذن الله ، لأنه لا قدرة للملائكة ولا لأحد من الخلق أن يحفظ أحدا من أمر الله وبما قضاه عليه إلا بأمره وإذنه ، فإذا جاء قدر الله خلّوا عنه. وقال علىّ : ليس من عبد إلا ومعه ملائكة يحفظونه من أن يقع عليه حائط أو يتردى فى بئر أو يأكله سبع أو يغرق أو يحرق ، فإذا جاء القدر خلوّا بينه وبين القدر اه.
(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) أي إن الله لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية فيزيلها عنهم ويذهبها ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض ، وارتكابهم للشرور والموبقات التي تقوّض نظم المجتمع ، وتفتك بالأمم كما تفتك الجراثيم بالأفراد.
روى أن أبا بكر قال : قال صلى الله عليه وسلّم «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب» ويرشد إلى صحة هذا قوله تعالى : «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» وقد بسطنا هذا فيما سلف فى مواضع متعددة ، وأشار إليه المحقق المؤرخ ابن خلدون فى مقدمة التاريخ وعقد له بابا جعل عنوانه [فصل فى أن الظلم مؤذن بخراب العمران] واسترسل فيه على