وروى ابن أبي مليكة عن أبي الزبير ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، ما حدّث عمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك ، فيسمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم كلامه حتّى يستفهمه ممّا يخفض صوته ، فأنزل الله سبحانه فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) إجلالا له (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أي اختبرها ، فأخلصها ، واصطفاها كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج خالصه ، وقال ابن عبّاس : أكرمها.
وأخبرنا أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل النيسابوري ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمّد ابن عبد الله بن أحمد الإصبهاني ، قال : حدّثنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن عبد القريشي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى بن أبي خاتم ، قال : حدّثني جعفر بن أبي جعفر ، عن أحمد بن أبي الخولدي ، قال : سمعت أبا سلمان يقول : قال عمر بن الخطّاب في قوله : (الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) قال : أذهب الشهوات منها (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) ويقال : إنّ هذه الآيات الأربع من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) إلى قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) نزلت في وفد تميم.
وهو ما أخبرني أبو القاسم الحسن بن محمّد ، قال : حدّثني أبو جعفر محمّد بن صالح بن هاني الورّاق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا الفضل بن محمّد بن المسيب بن موسى الشعراني ، قال : حدّثنا القاسم بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا معلّى بن عبد الرّحمن ، قال : حدّثنا عبد الحميد بن جعفر بن عمر بن الحكم ، عن جابر بن عبد الله ، قال : جاءت بنو تميم إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فنادوا على الباب : يا محمّد اخرج علينا ، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين. قال : فسمعها النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فخرج عليهم ، وهو يقول : «إنّما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمّه شين» (١).
قالوا : نحن ناس من بني تميم ، جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما بالشعر بعثت ، ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا» [٦٥] (٢).
فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم : قم فاذكر فضلك ، وفضل قومك. فقام ، فقال : الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء ، فنحن من خير أهل الأرض ، من أكثرهم عدّة ، ومالا ، وسلاحا ، فمن أنكر علينا قولنا ، فليأت بقول هو أحسن من قولنا ، وفعال هي خير من فعالنا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لثابت بن قيس بن شماس ، وكان خطيب رسول الله : «قم فأجبه».
__________________
(١) أسباب نزول الآيات : ٢٥٩.
(٢) أسباب نزول الآيات للواحدي : ٢٥٩.