إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الكشف والبيان [ ج ٩ ]

259/363
*

فردّوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم ، فعرف النبي عليه‌السلام ما يحملهم على القيام فلم يفسحوا لهم ، فشقّ ذلك على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غير أهل بدر : «قم يا فلان وأنت يا فلان» [٢٣٥] (١).

فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر ، فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه‌السلام الكراهية في وجوههم ، فقال المنافقون للمسلمين : ألستم تزعمون أنّ صاحبكم يعدل بين الناس؟ فو الله ما عدل على هؤلاء ، أنّ قوما أخذوا مجالسهم وأحبّوا القرب من نبيّهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه مقامهم ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

وقال الكلبي : نزلت في ثابت بن قيس بن الشماس ـ وقد ذكرت هذه القصّة في سورة الحجرات ـ فأنزل الله عزوجل في الرجل الذي لم يتفّسح له (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا) : توسّعوا ، ومنه قولهم : مكان فسيح إذا كان واسعا في المجلس.

قرأ السلمي والحسن وعاصم (فِي الْمَجالِسِ) ـ بالألف ـ على الجمع ، وقرأ قتادة : (تفاسحوا) بالألف فيهما ، وقرأ الآخرون (تَفَسَّحُوا) (في المجلس) يعنون مجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد قال : لأنّه قراءة العامّة ، مع أن المجلس يؤدي معناه عن المجالس كلّها من مجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه‌السلام وغيره.

أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبد الملك بن عمرو قال : حدّثنا فليح ، عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة [الأنصاري ، عن يعقوب] (٢) بن أبي يعقوب ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يقم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ)» [٢٣٦] (٣).

وقال أبو العالية والقرظي : هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال ، كان الرجل يأتي القوم في الصّف فيقول لهم : توسّعوا ، فيأبون عليه لحرصهم على القتال ، فأمرهم الله سبحانه أن يفسح بعضهم لبعض. وهذه رواية العوفي عن ابن عباس.

قال الحسن : بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قاتل المشركين وصفّ أصحابه للقتال تشاحّوا على الصف الأوّل ليكونوا في أوّل غارة القوم ، فكان الرجل منهم يجيء إلى الصّف الأوّل فيقول لإخوانه : توسّعوا لي ؛ ليلقى العدوّ ويصيب الشهادة ، فلا يوسّعون له رغبة منهم في الجهاد والشهادة ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

__________________

(١) زاد المسير : ٧ / ٣٢٣.

(٢) بياض في مصوّرة المخطوط ، وتمام السند من مسند أحمد بن حنبل.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٤٨٣.