قال : «ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليهالسلام يعملون بمعاصي الله سبحانه ، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلّا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فتعالوا نتفرّق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى ـ يعنون محمّدا ـ فتفرّقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا الرهبانية ، فمنهم من تمسّك بدينه ومنهم من كفر» [٢٢٣]. ثم تلا هذه الآية (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ـ الآية.
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) يعني : من ثبتوا عليها (أَجْرَهُمْ) ، ثم قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا ابن أم عبد ، أتدري ما رهبانية أمتي؟» قلت : الله ورسوله أعلم. قال : «الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع» (١) [٢٢٤].
وأنبأني عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن سليمان قال : حدّثنا شيبان بن فرّوخ قال : حدّثنا الصعق بن حزن ، عن عقيل الجعدي ، عن أبي إسحاق ، عن سويد بن غفلة ، عن ابن مسعود قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا ابن مسعود ، اختلف من كان قبلكم على ثنتين وسبعين فرقة ونجا منها ثلاث وهلك سائرهن ، فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى فأخذوهم وقتلوهم ، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم تدعوهم إلى دين الله سبحانه ودين عيسى ، فساحوا في البلاد وترهّبوا وهم الذين قال الله سبحانه : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ)».
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من آمن بي وصدّقني واتّبعني فقد رعاها (حَقَّ رِعايَتِها) ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون» [٢٢٥] (٢).
وروى الضحّاك وعطّية عن ابن عباس قال : كتب الله سبحانه عليهم القتال قبل أن يبعث محمّدا صلىاللهعليهوسلم فلما استخرج أهل الإيمان ولم يبق منهم إلّا قليل وكثر أهل الشرك ، وذهبت الرسل وقهروا ، اعتزلوا في الغيران فلم يزل بهم ذلك حتى كفرت طائفة منهم ، وتركوا أمر الله ودينه ، وأخذوا بالبدعة وبالنصرانيّة وباليهودية ، ولم يرعوها حقّ رعايتها ، وثبتت طائفة على دين عيسى حتى جاءهم البيّنات ، وبعث الله سبحانه محمّدا صلىاللهعليهوسلم وهم كذلك. فذلك قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) إلى قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا عليّ بن حرب قال : حدّثنا ابن فضيل قال : حدّثنا عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.
وحدّثت عن محمّد بن جرير ، قال : حدّثنا أبو عمّار الحسين بن حريث قال : حدّثنا الفضل
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٧ / ٢٦٥.
(٢) مجمع الزوائد : ٧ / ٢٦٠.