عطية : إحداهما (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) والأخرى (مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) ، وقيل : إنهما تجريان من جبل من مسك ، وقال أبو بكر محمد بن عمر الورّاق : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) لمن كانت له في الدنيا عينان تجريان بالبكاء.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) صنفان.
قال ابن عباس : ما في الدنيا ثمرة حلوة أو مرّة إلّا وهي في الجنة حتى الحنظل إلّا أنه حلو.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مُتَّكِئِينَ) حال (عَلى فُرُشٍ) جمع فراش (بَطائِنُها) جمع بطانة (مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وهو ما غلظ من الديباج وحسن ، وقيل : هو إستبر معرب.
قال ابن مسعود وأبو هريرة : هذه البطائن فما ظنّكم بالظهائر؟ ، وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال : هذا مما قال الله سبحانه : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).
وعنه أيضا قال : (بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وظواهرها من نور جامد ، وقال الفرّاء : أراد بالبطائن الظواهر.
قال المؤرخ : هو بلغة القبط ، وقد تكون البطانة ظهارة والظهارة بطانة ؛ لأن كل واحد منهما يكون وجها ، تقول العرب : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء للذي يراه ، وقال عبد الله ابن الزبير في قتلة عثمان : قتلهم الله شرّ قتلة ، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب ، يعني هربوا ليلا ، فجعل ظهور الكواكب بطونا.
قال القتيبي : هذا من عجيب التفسير ، وكيف تكون البطانة ظهارة ، والظهارة بطانة؟ والبطانة من بطن من الثوب ، وكان من شأن الناس إخفاؤه ، والظهارة ما ظهر منه ، ومن شأن الناس إبداؤه ، وهل يجوز لأحد ان يقول لوجه المصلي : هذا بطانته ، ولما ولي الأرض : هذا ظهارته ، لا والله لا يجوز هذا ، وانما أراد الله سبحانه وتعالى ان يعرّفنا لطفه من حيث يعلم فضل هذه الفرش ، وأن ما ولي الأرض منها إستبرق ، وإذا كانت البطانة كذلك فالظهارة أعلى وأشرف ، وكذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه الحلّة» [١٧٤] (١). فذكر المناديل دون غيرها ؛ لأنها أحسن ويصدّق قول القتيبي ما حكيناه عن ابن مسعود وأبي هريرة ، والله أعلم.
(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) ثمرهما (دانٍ) قريب يناله القائم والقاعد والنائم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
__________________
(١) كنز العمال : ١١ / ٦٨٦.