فيها ، وقال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن معنى هذا الحديث ، فقال : هم قوم قدمهم الله للنار ، وقال عبد الرّحمن بن المبارك : هم من قد سبق في علمه أنّه من أهل النّار.
وكلّ ما يقدم ، فهو قدم. قال الله سبحانه : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، يعني أعمال صالحة قدّموها ، وقال الشاعر يذمّ رجلا :
قعدت به قدم الفجار وغودرت |
|
وعود ربّ أسبابه من فتنة من خالق |
يعني ليس له ما يفتخر بهم.
على انّ الأوزاعي روى هذا الحديث عن حسّان بن عطية ، حتى يضع الجبّار قدمه بكسر القاف ، وكذلك روى وهب بن منبه ، وقال : إنّ الله سبحانه كان قد خلق قوما قبل آدم ، يقال لهم : القدم ، رؤوسهم كرؤوس الكلاب والذباب ، وسائر أعضائهم كأعضاء بني آدم ، فعصوا ربّهم ، وأهلكهم الله ، يملأ الله بهم جهنّم حين تستزيد. وأمّا الرجل فهو العدد الكبير من الناس وغيرهم.
يقال : رأيت رجلا من الناس ، ومرّ بنا رجل من جياد ، وقال الأصمعي : سمعت بعض الأعراب تقول : ما هلك على رجل نبيّ من الأنبياء ما هلك على رجل موسى ، يعني القبط ، وقال الشاعر :
فمرّ بنا رجل من النّاس وانزوى |
|
إليهم من الحيّ اليمانين أرجل |
قبائل من لخم وحمير |
|
على ابني نزار بالعداوة أحفل (١) |
ويصدق هذا التأويل قوله صلىاللهعليهوسلم في سياق الحديث : «ولا يظلم الله من خلقه أحدا» ، فدلّ أنّ الموضوع الملقى في النّار خلق من خلقه ، وقال بعضهم : أراد قدم بعض ملائكته ورجله ، وأضاف إليه كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ). والله أعلم. (وَأُزْلِفَتِ) وأدنيت (الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) حتّى يروها قبل أن يدخلوها. (غَيْرَ بَعِيدٍ) منهم وهو تأكيد ، ويقال لهم : (هذا ما تُوعَدُونَ) في الدنيا على ألسنة الأنبياء.
(لِكُلِّ أَوَّابٍ) توّاب ، عن الضحّاك. وقيل : رجّاع إلى الطاعة عن ابن زيد ، وقال ابن عبّاس وعطاء : الأوّاب المسبّح من قوله سبحانه : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ). الحكم بن عيينة : هو الذاكر لله في الخلاء. الشعبي ومجاهد : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء ، فيستغفر منها. قتادة : المصلّي. مقاتل بن حيان : المطيع. عبيد بن عسر : هو الذي لا يقوم من مجلسه حتى يستغفر الله تعالى. أبو بكر الورّاق : المتوكّل على الله سبحانه في السراء والضراء لا يهتدي إلى غير الله. المحاسني : هو الراجع بقلبه إلى ربّه. القاسم : هو الذي لا ينشغل إلّا بالله.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٧ / ١٩.