وقرأ الحسن يوم يقال وقرأ الباقون (يَوْمَ نَقُولُ) (بالنون) (لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) لما سبق من وعده إيّاها أنّه يملأها (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذا السؤال منه على طريق التصديق بخبره ، والتحقيق لوعده والتقريع لأهل عذابه ، والتنبيه لجميع عباده. (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) يحتمل أن يكون جحدا مجازه ما من مزيد ، ويحتمل أن يكون استفهاما ، بمعنى (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ، فأزاده وإنّما صلح (هل) للوجهين جميعا ، لأنّ في الاستفهام ضربا من الجحد ، وطرفا من النفي ، قال ابن عبّاس : إنّ الله سبحانه وتعالى ، قد سبقت كلمته (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فلمّا بعث للنّاس ، وسبق أعداء الله إلى النار زمرا ، جعلوا يقحمون في جهنّم فوجا فوجا ، لا يلقى في جهنّم شيء إلّا ذهب فيها ، ولا يملأها شيء.
فقالت : ألست قد أقمت لتملأني؟ فوضع قدمه عليها ، ثمّ يقول لها : هل امتلأت؟ فتقول : قط قط ، قد امتلأت ، فليس من مزيد. قال ابن عبّاس : ولم يكن يملأها شيء حتّى مس قدم الله فتضايقت فما فيها موضع إبرة ، ودليل هذا التأويل ما أنبأني عقيل ، قال : أخبرنا المعافى ، قال : أخبرنا ابن جرير ، قال : حدّثنا بشر ، قال : حدّثنا يزيد ، قال : حدّثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تزال جهنّم يلقى فيها ، (وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)؟ حتّى يضع ربّ العالمين فيها قدمه ، فتتزاوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قد قد بعزّتك ، وكرمك ، ولا يزال في الجنّة فضل ، حتّى ينشئ الله سبحانه لها خلقا ، فيسكنهم فضل الجنّة» [٩١] (١).
وأخبرنا ابن حمدون ، قال : أخبرنا ابن الشرقي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى ، وعبد الرّحمن بن بشر ، وأحمد بن يوسف ، قالوا : حدّثنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن همام ابن منبه ، قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة ، عن محمّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «تحاجت الجنّة والنّار ، فقالت النّار : أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين ، وقالت الجنّة : فما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء الناس وسقطهم؟ فقال الله سبحانه للجنّة : إنّما أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنّار : إنّما أنت عذابي ، أعذّب بك من أشاء من عبادي ، ولكلّ واحدة منكما ملأها ، فأمّا النار ، فإنّهم يلقون فيها (وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)؟ فلا تمتلئ حتّى يضع الله سبحانه وتعالى فيها رجله فتقول : قط قط ، فهناك تمتلأ وتزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأمّا الجنّة ، فإنّ الله عزوجل ينشئ لها خلقا» [٩٢] (٢).
قلت : هذان الحديثان في ذكر القدم ، والرجل ، صحيحان مشهوران ، ولهما طرق من حديث أبي هريرة ، وأنس ، تركت ذكرهما كراهة الإطالة ، ومعنى القدم المذكور في هذا الحديث المأثور قوم يقدمهم الله إلى جهنّم ، يملأها بهم ، قد سبق في عمله إنّهم صائرون إليها وخالدون
__________________
(١) صحيح البخاري : ٨ / ١٦٧ ؛ جامع البيان للطبري : ٢٦ / ٢٢٠ بتفاوت.
(٢) صحيح البخاري : ٦ / ٤٨ ؛ وصحيح مسلم ٨ / ١٥١ بتفاوت يسير.