ولو جاد المسلمون بأموالهم عند الحاجة إلى البذل لكان لنا شأن آخر بين أرباب الديانات الأخرى ، ولكنا من ذوى العزة والمكانة بينها.
ولكنا صرنا إلى ما ترى ، عسى الله أن يغير من نفوس المسلمين ، ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم باتباع أوامر كتابهم ، واجتناب نواهيه ، ففى ذلك السعادة لهم فى الدنيا والأخرى.
(٢) (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي والممسكين عليه الكافّين عن إمضائه مع القدرة عليه ، ومن أجاب داعى الغيظ وتوجه بعزيمة إلى الانتقام لا يقف عند حد الاعتدال ، ولا يكتفى بالحق ، بل يتجاوزه إلى البغي ، ومن ثم كان من التقوى كظمه ، وقد أثر عن عائشة رضى الله عنها أن خادما لها غاظها فقالت : لله درّ التقوى ، ما تركت لذى غيظ شفاء.
وقال عليه الصلاة والسلام «ما من جرعتين أحبّ إلى الله من جرعة موجعة يجرعها صاحبها بصبر وحسن عزاء ، ومن جرعة غيظ كظمها» وقال «ليس الشديد بالصّرعة لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب».
وخلاصة ذلك ـ هم الذين يكظمون غيظهم عن الإمضاء والنفاذ ، ويردونه فى أجوافهم ، وهذا كقوله فى الآية الأخرى «وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ».
(٣) (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) أي والذين يتجاوزون عن ذنوب الناس ويتركون مؤاخذتهم مع القدرة على ذلك ، وتلك منزلة من ضبط النفس وملك زمامها قلّ من يصل إليها ، وهى أرقى من كظم الغيظ ، إذ ربما كظم المرء غيظه على الحقد والضغينة.
أخرج الطبراني عن أبىّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من سره أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدرجات ، فليعف عمن ظلمه ، ويعط من حرمه ، ويصل من قطعه».
وفى الآية إيماء إلى حسن موقع عفوه عليه الصلاة والسلام عن الرماة ، وترك مؤاخذتهم بما فعلوا من مخالفة أمره ، وإرشاد له إلى ترك ما عزم عليه من مجازاة المشركين