وهذا الوعيد فى الآية يقابل الوعد فى الآية قبلها وهو قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فالفلاح فيها يشمل الفوز بخيرى الدنيا والآخرة.
ثم ذكر زمان ذلك العذاب فقال :
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) أي واذكروا يوم تبيض وجوه وتسر لما تعلم من حسن العاقبة ، وتسودّ وجوه لما ترى من سوء العاقبة ، وما يحل بها من النكال والوبال.
ونحو الآية قوله : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ» وقوله : «وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً» وقوله : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» وفى الحديث «إن أمتى يحشرون غرّا محجلين من آثار الوضوء».
واستعمال البياض فى السرور ، والسواد فى الحزن عرف شائع لدى كل ناطق بالضاد ، ولا سيما وصف الكاذب بسواد الوجه كما قال شاعرهم :
فتعجبوا لسواد وجه الكاذب
والخلاصة ـ إن هؤلاء المختلفين المتفرقين لهم عذاب عظيم فى هذا اليوم كما تظاهرت على ذلك الآيات والأحاديث ، كما يكون لهم مثل ذلك فى الدنيا ، إذ هم لاختلاف مقاصدهم لا يتناصرون ولا يتعاونون ، ولا يأبهون بالأعمال التي فيها شرف الملة ، وعز الأمة ، فتسودّ وجوههم بالذل والكآبة حين يجنون ثمار أعمالهم ، وعواقب تفرقهم واختلافهم ، بقهر الغاصب لهم ، وانتزاعه السلطة من أيديهم ، والتاريخ والمشاهدة شاهدا صدق على هذا.
أما المتفقون الذين اعتصموا واتفقوا على الأعمال النافعة لخير الأمة وعزها ، وأصبح كل واحد منهم عونا للآخر ، وناصرا له ، فأولئك تبيض وجوههم وتتلألأ بهجة وسرورا حين تظهر لهم آثار اتفاقهم واعتصامهم ، بوجود السلطان والعزة والشرف ، وارتفاع المكانة بين الأمم.
ثم فصل سبحانه أحوال الفريقين فقال :