وبثا لمبدأ التكافل العام في الأسرة الإسلامية ، لتصلح جميع أعضائها وتكون كالبدن السليم ، لا يشتكى منه عضو من الأعضاء ، فيؤدى كل عضو وظيفته في الحياة ، ويعمل العمل الذي هيئ له بمقتضى النظام العام.
قفى ذلك بذكر القتال وبذل النفس لإعلاء دين الله وجعل كلمته العليا وكلمة الكفر هى السفلى ونشر النور الإسلامى في أرجاء المعمورة لهدى الخلق ومعرفتهم للحق.
ومن البين أن المال أخو الروح ، فالصلة بينهما وثيقة ، فناسب ذكر آيات القتال بعد ذكر أحكام الصدقة على النحو الذي عرفت.
الإيضاح
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أي فرض عليكم قتال الكفار فرض كفاية إذا قام به جماعة كفى ولم يلزم الباقين ، إلا إذا دخل العدوّ بلاد المسلمين فاتحا فيكون فرض عين.
وقوله : وهو كره لكم ؛ أي شاقّ عليكم تنفر منه الطباع لما فيه من بذل المال وخطر هلاك النفس ، وهذه الكراهة الطبيعية لا تنافى الرضا بما يكلف به الإنسان كالمريض يشرب الدواء المرّ البشع الذي تعافه نفسه لما يرى فيه من منافع في العاقبة.
وهذه أول آية فرض فيها القتال ، وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة ، وقد كان القتال محظورا على النبي صلى الله عليه وسلم مدة إقامته في مكة ، فلما هاجر إلى المدينة أذن له فى قتال من يقاتله من المشركين بقوله : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» ثم أذن له فى قتال المشركين عامة ، ثم فرض الجهاد.
(وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) أي إن من الأشياء المكروهة طبعا ما يفعله الإنسان لما يرجو فيه من نفع وخير فيما بعد ، فقد يتحمل الإنسان أخطار الأسفار لتحصيل الربح في التجارة ، ويتحمل المتاعب في طلب العلم للفوز بالسعادة في الدنيا والعقبى.