شرحت لهم أحوال كفره وإصراره على غيه ، وكيف يعاند الداعي إلى الحق ، رأوه محلا للعن ومستحقا أشدّ العقوبة.
والسر في التعبير بلعن الملائكة والناس ، مع أن لعن الله وحده يكفى في خزيه ، الدلالة على أن جميع من يعلم أحواله من العوالم العلوية والسفلية يراه أهلا للعن الله ومقته ، فلا يشفع له شافع ولا يرحمه راحم ، فهو قد استحق اللعن لدى جميع من يعقل ويعلم ، ومن استحق النكال من الرب الرءوف الرّحيم ، فماذا يرجو من سواه من عباده؟
(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي ماكثين في هذه اللعنة على طريق الدوام ، ومتى خلدوا فيها فقد خلدوا في عذاب النار الدائم لا يخلصون منه ، ولا يخفف عنهم شىء منه ، ولا هم ينظرون ويمهلون ليتوبوا ويعملوا صالح الأعمال ، لأن الكفر الذي استحقوا به هذا العذاب هو غاية ما يكتسبه المرء من ظلمات الروح ، ومتى مات انقطع عمله وتعذر عليه أن يجلّى تلك الظلمة ، ويرجع إلى الحق ، ويزكى نفسه ، ولا يمهل إذ هو الجاني على نفسه ، فأىّ شىء يرجو من غيره؟
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))
المعنى الجملي
حكم الله في الآية السابقة على الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى باللعنة والطرد من رحمته إلا إن تابوا ، فإن هم ماتوا على كتمانهم كانوا خالدين