أحدهما : إن يثبت خط الآية ، وينسخ علمها والعمل بها. كقول ابن عبّاس في قوله (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) قال : ثبت خطها وتبدل حكمها. ومنها رفع تلاوتها وبقاء حكمها مثل آية الرجم.
الثاني : أنّ ترفع الآية أصلا أي تلاوتها وحكمها معا فتكون خارجة من خط الكتاب ، وبعضها من قلوب الرّجال أيضا ، والشّاهد له ما روي أبو أمامة سهل بن حنيف في مجلس سعيد ابن المسيب : إنّ رجلا كانت معه سور فقام يقرأها من الليل فلم يقدر عليها ، وقام آخر يقرأها.
فلم يقدر عليها ، وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها. فأصبحوا فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال بعضهم : يا رسول الله قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها ، وقال الآخر : يا رسول الله ما جئت إلّا لذلك ، وقال الآخر : وأنا يا رسول الله.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّها نسخت البارحة» [٩٨] (١).
ثمّ اعلم أنّ النّسخ إنّما يعترض على الأوامر والنواهي دون الأخبار ؛ إذا نسخ صار المخبر كذابا ، وإنّ اليهود حاولوا نسخ الشرائع وزعموا إنّه بداء فيقال لهم : أليس قد أباح الله تزويج الاخت من الأخ ثمّ حظره وكذلك بنت الأخ وبنت الأخت؟ أليس قد أمر إبراهيم عليهالسلام بذبح ابنه ، ثمّ قال له لا تذبحه؟
أليس قد أمر موسى بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد العجل منهم وأمرهم برفع السّيف عنهم؟
أليست نبوة موسى غير متعبد بها ، ثمّ تعبّد بذلك؟ أليس قد أمر حزقيل النبيّ بالختان ، ثمّ نهاه عنه؟ فلما لم يلحقه بهذه الأشياء بداء فكذلك في نسخ الشرائع لم يلحقه بداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة ، وحكم إلى حكم ؛ لضرب من المصلحة إظهار لحكمته وكمال مملكته وله ذلك وبه التوفيق.
فهذه من علم النّسخ وهو نوع كثير من علوم القرآن ، لا يسع جهله لمن شرع إلى التفسير.
وعن أبي عبد الرحمن السّلمي : إنّ عليا عليهالسلام مرّ بقاص يقصّ في جامع الكوفة بباب كندة فقال : هل تعلم النّاسخ من المنسوخ؟
قال : لا. قال : هلكت وأهلكت (٢).
وأمّا معنى الآية لقوله (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) قرأت العامّة بفتح النون والسين من النّسخ.
وقرأ ابن عامر : بضم النون وكسر السّين.
قال أبو حاتم : هو غلط وقال : بعضهم له وجهان ، أحدهما نجعله نسخه من قولك نسخت الكتاب إذا كتبته وأ نسخته غيري إذا جعلته نسخة له ومعناها ما مسختك.
__________________
(١) نواسخ القرآن لابن الجوزي : ٣٤ ، والدر المنثور : ١ / ١٠٥.
(٢) المصنف لعبد الرزاق : ٣ / ٢٢١ ح ٥٤٠٧ ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم : ٥.