وعن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخرساني عن وهب بن منبّه قال : قال داود عليهالسلام : إلهي كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلّا بنعمتك؟ فأوحى الله تعالى إليه : ألست تعلم أنّ الذي بك من النعم منّي؟ قال : بلى يا ربّ ، قال : أرضى بذلك لك شكرا.
وقال وهب : وكذلك قال موسى : يا ربّ أنعمت عليّ بالنعم السوابغ وأمرتني بالشكر لك عليها ، وإنما شكري لكل نعمة منك عليّ ، فقال الله : يا موسى تعلّمت العلم الذي لا يفوته علم ، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو منّي ومن عندي.
قال الجنيد : حقيقة الشكر : العجز عن الشكر.
وروى ذلك عن داود عليهالسلام إنّه قال : سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكرا ، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة.
وقال بعضهم : الشكر أن لا يرى النعمة البتة بل يرى المنعم.
أبو عثمان الخيري : صدق الشكر : لا تمدح بلسانك غير المنعم.
أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي بكر الرازي عن الشبلي : الشكر : التواضع تحت رؤية المنّة.
وقيل : الشكر خمسة أشياء : مجانبة السيئات ، والمحافظة على الحسنات ، ومخالفة الشهوات ، وبذل الطاعات ، ومراقبة ربّ السموات.
قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سئل أبو الحسن علي بن عبد الرحيم القناد في الجامع بحضرة أبي بكر بن عدوس وأنا حاضر : من أشكر الشاكرين؟ قال : الطاهر من الذنوب ، يعدّ نفسه من المذنبين ، والمجتهد في النوافل بعداد الفرائض ، يعدّ نفسه من المقصّرين ، والراضي بالقليل من الدّنيا ، يعد نفسه من المفلسين ، فهذا أشكر الشاكرين.
بكر بن عبد الرحمن عن ذي النّور : الشكر لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإحسان والإفضال.
(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) قال مجاهد والفراء : هما شيء واحد ، والعرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه على التوهم ، وأنشد الفراء :
وقدّمت الأديم لراهشيه |
|
وألفى قولها كذبا ومينا (١) |
__________________
(١) تاج العروس : ٩ / ٣٥٥.