قال الزجاج : (واعَدْنا) جيد لأن بالطاعة والقبول بمنزلة المواعدة فكان من الله الوعد ومن موسى القبول.
وموسى : هو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب.
(أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وقرأ زيد بن علي : (أَرْبِعِينَ) بكسر الباء وهي لغة ، و (لَيْلَةً) نصب على التمييز والتفسير ، وإنّما قرن التاريخ بالليل دون النهار ؛ لأن شهور العرب وضعت على مسير القمر ، والهلال إنّما يهلّ بالليل ، وقيل لأنّ الظلمة أقدم من الضوء ، والليل خلق قبل النهار. قال الله عزوجل : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) (١) الآية.
(ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) يقول أبو العالية : إنّما سمّي العجل لأنّهم تعجّلوه قبل رجوع موسى عليهالسلام.
(مِنْ بَعْدِهِ) من بعد انطلاق موسى إلى الجبل للميعاد.
(وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) مشّاؤون لأنفسكم بالمعصية ، وواضعون العبادة في غير موضعها.
(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) أي تركناكم فلم نستأصلكم ، من قول له عليهالسلام : أحفوا الشّوارب واعفوا اللحي ، وقيل : محونا ذنوبكم ، من قول العرب : عفت الرّيح المنازل فعفت.
(مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد عبادتكم العجل.
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لكي تشكروا عفوي عنكم ، وصنيعي إليكم.
واختلف العلماء في ماهيّة الشكر ، فقال ابن عباس : هو الطاعة بجميع الجوارح لربّ الخلائق في السر والعلانية.
وقال الحسن : شكر النعمة ذكرها ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٢).
الفضل : شكر كل نعمة ألّا يعصى الله بعد تلك النعمة.
أبو بكر بن محمد بن عمر الوراق : حقيقة الشكر : معرفة المنعم ، وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّا بل تراها من الله عزوجل. قال الله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٣) يدل عليه ما روى سيف بن ميمون عن الحسين : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال موسى عليهالسلام : يا ربّ كيف استطاع آدم أن يؤدي شكر ما أجريت عليه من نعمك ، خلقته بيدك وأسجدت له ملائكتك واسكنته جنّتك؟ فأوحى الله إليه : إنّ آدم علم إنّ ذلك كله منّي ومن عندي فذلك شكر» [٨٥] (٤).
__________________
(١) سورة يس : ٣٧.
(٢) سورة الضحى : ١١.
(٣) سورة النحل : ٥٣.
(٤) روضة الواعظين (الفتال النيسابوري) : ص : ٤٧٣ ، الشكر لله ـ ابن أبي الدنيا ـ ص : ٧٠.