الحجب ، وسرادقات المجد (١) ووراء ذلك الرّجيج الّذى تستكّ منه الأسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها (٢) فتقف خاسئة على حدودها (٣) ، أنشأهم على صور مختلفات ، وأقدار متفاوتات أولى أجنحة تسبّح جلال عزّته لا ينتحلون ما ظهر فى الخلق من صنعته ، ولا يدّعون أنّهم يخلقون شيئا ممّا انفرد به ، بل عباد مكرمون «لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه ، وحمّلهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه ، وعصمهم من ريب الشّبهات ، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته ، وأمدّهم بفوائد المعونة ، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السّكينة (٤) وفتح لهم أبوابا ذللا (٥) إلى تماجيده ، ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده (٦)
__________________
(١) الزجل : رفع الصوت ، والحظائر : جمع حظيرة وهى المواضع يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والابل توقيا من البرد والريح ، وهو مجاز ههنا عن المقامات المقدسة للأرواح الطاهرة ، والقدس ـ بضم فسكون ، أو بضمتين ـ الطهر ، والتقديس : التطهير ، والأرض المقدسة : المطهرة. والسترات : جمع سترة ، وهى ما يستتر به ، والسرادقات : جمع سرادق ، وهو ما يمد على صحن البيت فيغطيه
(٢) الرجيج : الزلزلة والاضطراب ، و «تستك منه» أى : تصم منه الآذان لشدته ، «وسبحات نور» أى : طبقات نور ، وأصل السبحات الأنوار نفسها
(٣) خاسئة : مدفوعة مطرودة عن الترامى إليها
(٤) الاخبات : الخضوع ، والخشوع
(٥) جمع ذلول : خلاف الصعب
(٦) قال بعض أهل اللغة : إن منارة تجمع على منار ، وإن لم يذكره صاحب القاموس ، وأرى أن منارا ههنا جمع منارة بمعنى المسرجة ، وهى : ما يوضع فيه الصباح ، والأعلام : ما يقام للاهتداء به على أفواه الطرق ومرتفعات الأرض ، والكلام تمثيل لما أنار به مداركهم حتى انكشف لهم سر توحيده