وشمر جربة (١). لقد اشتهر شيخ شمر الشاب بانه بطل حقيقي من الطراز العربي وكان يتمتع بشعبية واسعة وحب كبير لا من جانب ابناء عشيرته فقط بل من لدن القبائل العراقية الاخرى ايضاً وذلك لما كان يتصف به من كرم زائد وشهامة عالية وشجاعة نادرة. وقد استندت سلطة عبد الكريم على الشمريين على هذه الصفات كلياً وعلى سحره الشخصي ذلك ان الحكومة العثمانية لم تعترف به شخصياً لشمر بل ان الشيخ الذي خلف صفوك من الناحية الرسمية كان ابنه الاخر فرمان الذي تربى بـ «شريعة مكتبي» وهي مدرستة خاصة انشأت في اسطنبول خصيصاً لابناء الذوات العرب ولا سيما الشيوخ منهم. ولهذا فان العلاقات بين عبد الكريم والسلطات العثمانية في بغداد كانت تتميز بالبرود اذا لم نقل انها كانت عدائية ، بالرغم من ان عبد الكريم كان يتجنب جاهداً كل ما من شأنه ان يوفر لتلك السلطات حجة لا تهامه بالعصيان المكشوف.
وكان من الطبيعي ان يجذب تقارب شيخ المنتفق ناصر مدحت باشا انتباه عبد الكريم الذي قدر على الفور الخطر الذي يتهدده من جانب هاذين الحليفين. ولكي يتلافى نوايا الحليفين قرر عبد الكريم القيام بخطوة يائسة فقد فكر بان يقوم بالغارة بشكل مفاجئ على كل من بلدة الدير الواقعة على الفرات وعلى الموصل وبغداد في آن واحد ولهذا فقد قسم قواته إلى ثلاثة فصائل قام هو بقيادة احدها وتوجه به نحو بغداد (٢). وكان مدحت باشا الذي كان والي ديلر بكر قد نبهه إلى تحركات شمر المريبة في الوقت المناسب ، قد استعد للمجابهة فتحطم الفصيلان الذان توجها إلى
__________________
(١) Denis de Rivoyre, Les vrais arabes et leur pays, (paris, ١٨٨٤), ١٧١.
(٢) Midhat Bey, OP. Cit. p. ٥٨.