مكافحة «قراصنة» الانهار قد انهتا مهمتهما تلك فاستخدمها لمحمد نامق باشا والي بغداد آنذاك لاغراض تجارية. وهكذا فقد قامت في دجلة منذ ١٨٦٢ مواصلات منتظمة ، لنقل البريد والمسافرين والبضائع بين بغداد والبصرة ، حيث عملت أربع بواخر اثنتان منهما انجليزية واثنتان عثمانيتان. وقد تم في ١٨٦٣ في عهد نامق باشا هذا تأسيس مدينة العمارة بهدف حماية الملاحة من القبائل العربية القاطنة على ضفاف دجلة ، وقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل في الفصل الاول من هذا الكتاب (١).
وكانت المبادرة الحضارية الاخرى التي اعقبت اصلاح الملاحة النهرية مباشرة هي ربط العراق مع اوربا والهند بخطوط للتلغراف. لقد اصبحت بغداد منذ نهاية خمسينات القرن التاسع عشر على صلة مباشرة بالعاصمة العثمانية بواسطة خط تلغرافي يمر عبر سكوتاري وسيواس وديار بكر. وقد مدد هذا الخط في ١٨٦٤ إلى البصرة ثم إلى الفاو وهناك ربط التغراف العثماني بالهند بواسطة قابلو مُدَ في قاع الخليج لقد مُدَ الخط التلغرافي الذاهب إلى البصرة براً حيث كان يتجه من بغداد إلى كوت الامارة ثم العمارة فالقرنة بمحاذاة نهر دجلة. وقد مُدَ من القرنة بعد مضي وقت قليل خط اخر هو خط الفرات الذي يذهب إلى سوق الشيوخ والناصرية. وكان هناك ايضاً فرع اخر للخط التلغرافي يتجه من بغداد إلى خانقين الواقعة على الحدود مع فارس وهناك يرتبط بخط التلغراف الذي يربط الهند باوربا عبر فارس والذي يمر بكرمنشاه وهمدان وطهران ثم اصفهان وشيراز وبندر بوشهر (٢). وهكذا غطي العراق الجنوبي بشبكة من اسلاك التلغراف ادت إلى ربط هذه المنطقة العثمانية التي كانت حتى
__________________
(١) انظر الجزء الاول ص ٤٤ ـ ٤٥.
(٢) Aitchison, OP. cit. vol. Xl. P. ٢٧ - ٢٨.