هذا مع أنّه الّذي في السماء إله ، وفي الأرض إله ، فما وجه التخصيص مع أنّه لا يخلو منه مكان ، بل الأرض والسماء بالنسبة إليه سواء؟
فإنّا نقول : إنّ لهذا الكلام وجوه :
منها : أنّ المراد أنّ من في السماء سلطانه وأمره ونهيه وتدبيره ورحمته ، فإنّه ينزل من السماء أمره وحكمه.
وفي الكشّاف : من ملكوته في السماء ، لأنّها مسكن ملائكته ، وثمّ عرشه وكرسيّه واللوح المحفوظ ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه (١). انتهى.
ويدلّ على ذلك أيضا : رفع من يدعو الله لحاجة من حوائج الدنيا والآخرة يده إلى جانب السماء.
ومنها : أنّ أهل الجاهليّة كانوا يعتقدون أنّ الله في السماء فقيل لهم ذلك على حسب اعتقادهم ، وقصّة نمرود وفرعون معروفة.
ومنها : أنّ المراد بالسماء سماء الالوهيّة وعظمة الربوبيّة الّتي هي أعلى من كلّ شيء ، لا جهة العلوّ الحسّيّ.
ومنها : أنّ إثبات كونه في السماء ـ يعني إحاطة علمه بها ـ لا ينفي كونه في الأرض كذلك. فتأمّل.
ومنها : أنّ المراد بـ «من في السماء» الملك الموكّل بالعذاب.
وكيف كان ، فالظرفيّة ليست بحقيقيّة ؛ كما لا يخفى على من برهن على امتناع كونه جسما ، وكونه محتاجا إلى مكان ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
__________________
(١) الكشّاف ٤ : ٥٨٠.