كما أنّ العقيلة ابنة أمير المؤمنين (عليها
السّلام) ، أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك
، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها
وشنارها.
إنّ المتأمل في حادثة الطفّ يتجلّى له ؛
أنّ هذه الشهادة أعظم من يوم بدر ، وإنْ كان هو أول فتح إسلامي ؛ لأنّ المسلمين
يومئذ خاضوا غمرات الموت تحت راية النبوّة ، وقد احتفّ بهم ثلاثة آلاف من الملائكة
مسوّمين ، وهتاف النبي (ص) بالنصر والظهور على العدوّ ملء مسامعهم ، فقابلوا
طواغيت قريش مطمئنين بالغلبة.
وأمّا مشهد الطفِّ ، فالمقاسات فيه أصعب
، والكرب أشدّ. وقد التطمت فيه أمواج الحتوف ، وكشّرت الحرب عن نابها ، وأخذ بنو
اُميّة على سبط النبيِّ أقطار الأرض ، وآفاق السّماء.
عشية أنهضها بغيُها
|
|
فجاءته تركبُ طغيانَها
|
بجمع من الأرض سدَّ الفروج
|
|
وغطّى النجود وغيطانَها
|
وطا الوحش إذ لم يجد مهرباً
|
|
ولا زمت الطير أوكانَه
|
لكن عصبة الحقِّ لمْ يثن من عزمهم شيء ،
فقابلوا تلك الأخطار من غير مدد يأملونه ، أو نصرة يرقبونها. وقد انقطعت عنهم خطوط
الوسائل الحيويّة حتّى الماء الذي هو أوفر الأشياء ، والناس فيه شرع سواء ، وضوضاء
الحرم من الشر المقبل ، وصراخ الأطفال من الاوام المبرح في مسامعهم ، إلا أنّهم
تلقّوا جبال الحديد بكلّ صدر رحيب ، وجنان طامن. ولم تسلُ تلك النفوس الطاهرة إلا
على فتل اُميّة المنقوض ، ولا اُريقت دماؤهم الزاكية إلا على حبلهم المنتكث ؛ فكان
ملك آل حرب كلعقة الكلب أنفه حتّى اكتسحت معرّتهم عن أديم الأرض.
ولقد أجاد شاعر أهل البيت (عليهم
السّلام) بقوله :
لَو لَمْ تكن جُمعت كلُّ العُلا فينا
|
|
لكان ما كان يوم الطفِّ يكفينا
|
يومٌ نهضنا كأمثال الاُسود به
|
|
وأقبلت كالدبا زحفاً أعادينا
|
جاؤوا بسبعين ألفاً سَلْ بقيتَهم
|
|
هل قابلونا وقد جئنا بسبعينا
|
__________________