بلى ، لقد حضر رسول الله (ص) المعركة ، وشاهد ذلك الجمع المتألّب على استئصال أهله من جديد الأرض ، وبمرأى منه عويل الأيامى ونشيج الفاقدات وصراخ الصبية من الظمأ. وقد سمع العسكر صوتاً هائلاً : ويلكم يا أهل الكوفة إنّي أرى رسول الله (ص) ينظر إلى جمعكم مرّة وإلى السّماء اُخرى ، وهو قابض على لحيته المقدّسة. لكن الهوى والضلال المستحكم في نفوس ذلك الجمع المعمور بالأطماع أوحى إليهم : إنّه صوت مجنون. فصاح الجمع لا يهولنّكم ذلك. وكان أبو عبد الله الصادق (ع) يقول : «لا أراه إلاّ جبرئيل» (١).
وصاح بعض الملائكة : ألا أيّتها الاُمّة المتحيّرة الضالّة بعد نبيّها ، لا وفّقكم الله لأضحى ولا فطر! قال الإمام الصادق (ع) : «لا جرم والله ، ما وفّقوا ولا يوفّقون حتّى يثور ثائر الحسين (ع)» (٢).
وهبْ دم يحيى قد غلا قبلُ في الثرى |
|
فإنّ حسينا في القلوب غلا دمه |
وإنْ قُرّ قِدما مذْ دعا بُخْتُ نُصر |
|
بثارات يحيي واستُردَتْ مظالمه |
فليست دماء السّبط تهدأ قبل أن |
|
يقوم بإذن الله للثأر قائمه (٣) |
وحدث الشيخ البهائي أنّ أباه الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي دخل مسجد الكوفة فوجد فص عقيق مكتوب عليه :
أنا درٌّ من السّما نثروني |
|
يوم تزويج والد السّبطَين |
كنت أصفى من اللجين بياضاً |
|
صبغتني دماء نحر الحسين (٤) |
__________________
(١) كامل الزيارات.
(٢) من لا يحضرة الفقيه ، للشيخ الصدوق ص ١٤٨.
(٣) من قصيدة للعلامة الشيخ محمّد تقي الجواهري.
(٤) كشكول الشيخ يوسف البحراني ص ١٧ ، طبعة الهند ، عن كشكول الشيخ البهائي.