وقد غفل هذا القائل عن أنّ ابن ميسون لم يكن له يوم صلاح حتّى يشينه ما يبدو منه! وليس لطاماته ومخازيه قبل وبعد وقد ارتضع در ثدي (الكلبية) المزيج بالشهوات ، وتربّى في حجر مَن لُعن على لسان الرسول الأقدس (١) ، وأمر الاُمّة بقتله متى شاهدته متسنماً صهوة منبره! (٢). ولو امتثلث الاُمّة الأمر الواجب ؛ لأمنت العذاب الواصب ، المطلّ عليها من نافذة بدع الطاغية ، ومن جرّاء قسوته المبيدة لها ، لكنها كفرت بأنعم الله ، فطفقت تستمرء ذلك المورد الوبيء ذعافاً ممقراً ؛ فألبسها الله لباس الخوف ، وتركها ترزح تحت نير الاضطهاد ، وترسف في قيود الذل والاستعباد ، ونصب عينها استهتار الماجنين وتهتّك المنهمكين بالشهوات! وكلما تنضح به الآنية الاموية الممقوتة شب (يزيد الاهواء) بين هاتيك النواجم من مظاهر الخلاعة.
ولقد أعرب عن كل ما أضمره من النوايا السيئة على الإسلام ، والصادع به جَذِلاً بِخلاء الجوِّ له ، فيقول العلامة الآلوسي :
مَن يقول إن يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه ، فينبغي أن ينتظم في سلسلة أنصار يزيد ، وأنا أقول : إنّ الخبيث لم يكن مصدقاً برسالة النبي (ص) ، وإنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيه (ص) وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات ، وما صدر منه من المخازي ، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر! ، ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك ، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين ، ولم يسعهم إلا الصبر. ولو سلّم أن الخبيث كان مسلماً ، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط
__________________
(١) تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٧ (حوادث سنة ٢٨٤) ، تاريخ أبي الفداء ٢ ص ٥٧ (حوادث سنة ٢٣٨) ، كتاب صفين ص ٢٤٧ ، تذكرة الخواص ص ١١٥ ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ومعاوية يسوقه فقال : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».
(٢) تاريخ بغداد ١٢ ص ١٨١ ، تهذيب التهذيب ٢ ص ٤٢٨ وكذلك ٥ ص ١١٠ ، تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٧ ، كتاب صفين ص ٢٤٣ ، ٢٤٨ ، شرح نهج البلاغة ١ ص ٣٤٨ ، كنوز الدقائق (في هامش الجامع الصغير) ١ ص ١٨ ، اللآلئ المصنوعة ١ ص ٣٢٠ ، ميزان الاعتدال ١ ص ٢٦٨ ترجمة الحكم بن ظهير ، وكذلك ٢ ص ١٢٩ ترجمة عبد الرزاق بن همام ، سير أعلام النبلاء ٣ ص ٩٩ ترجمة معاوية ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ ص ١٨٥ ، تاريخ أبي الفداء ٢ ص ٥٧ (حوادث سنة ٢٨٣) قال رسول الله (ص) : اذا رأيتم معاوية على منبري ، فاقتلوه.