نصره ، ولست أحب أن
يراني وأراه .
فأعاد الحَجّاج كلامه على الحسين ، فقام
صلوات الله عليه ومشى إليه في جماعة من أهل بيته وصحبه ، فدخل عليه الفسطاط ، فوسّع
له عن صدر المجلس ، يقول ابن الحرّ : ما رأيت أحداً قط أحسن من الحسين ولا أملأ
للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقّتي عليه حين رأيته يمشي والصبيان حوله ، ونظرت
إلى لحيته فرأيتها كأنّها جناح غراب ، فقلت له أسواد أم خضاب؟ قال : «يابن الحرّ
عجّل عليَّ الشيب». فعرفتُ أنّه خضاب .
ولمّا استقرّ المجلس بأبي عبد الله ، حمد
الله وأثنى عليه وقال : «يابن الحرّ إنّ أهل مصركم كتبوا إليّ أنّهم مجتمعون على
نصرتي ، وسألوني القدوم عليهم ، وليس الأمر على ما زعموا
، وإنّ عليك ذنوباً كثيرة ، فهل لك من توبة تمحو بها ذنوبك؟»
قال : وما هي يابن رسول الله؟ فقال : «تنصر
ابن بنت نبيّك وتقاتل معه» .
فقال ابن الحرّ : والله ، إنّي لأعلم
إنّ من شايعك كان السّعيد في الآخرة ، ولكن ما عسى أن أغني عنك ، ولَم اخلف لك
بالكوفة ناصراً ، فانشدك الله أنْ تحمّلني على هذه الخطة ، فإنّ نفسي لا تسمح
بالموت ، ولكن فَرَسي هذه (الملحقة) والله ، ما طلبتُ عليها شيئاً قط إلاّ لحقته ،
ولا طلبني أحد وأنا عليها إلاّ سبقته ، فخُذها فهي لك.
قال الحسين : «أمّا إذا رغبت بنفسك عنّا
، فلا حاجة لنا في فَرَسك
ولا فيك ، وما كنتُ متّخذ المضلّين عضداً
، وإنّي أنصحك كما نصحتني ، إن استطعت أنْ لا تسمع صراخنا ، ولا تشهد وقعتنا فافعل.
فوالله ، لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا
__________________