قال الحرّ : إنّي لستُ من هؤلاء ، وإنّي اُمرت أنْ لا اُفارقك إذا لقيتك حتّى أقدمك الكوفة على ابن زياد.
فقال الحسين : «الموت أدنى إليك من ذلك» ، وأمر أصحابه بالركوب ، وركبت النّساء ، فحال بينهم وبين الانصراف إلى المدينة فقال الحسين للحرّ : «ثكلتك اُمّك ما تريد منا؟».
قال الحرّ : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذا الحال ، ما تركتُ ذكر اُمّه بالثكل كائناً من كان ، والله ما لي إلى ذكر اُمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه.
ولكن خذ طريقاً نصفاً بيننا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة حتّى أكتب إلى ابن زياد ؛ فلعلّ الله أنْ يرزقني العافية ، ولا يبتليني بشيء من أمرك.
ثمّ قال للحسين : إنّي اُذكرك الله في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لَتقتلَنَّ ، فقال الحسين : «أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أنْ تقتلوني ، وسأقول ما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلّى الله عليه وآله» (٢) :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى |
|
إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما |
وواسى الرجال الصالحين بنفسه |
|
وفارق مثبوراً وخالف مجرما |
فان عشت لم اندم وان متُّ لم أُلَمْ |
|
كفى بك ذَّلاً ان تعيش وتُرْغما |
فلمّا سمع الحرّ هذا منه ، تنحى عنه. فكان الحسين يسير بأصحابه في ناحية والحرّ ومَن معه في ناحية (٣).
البيضة
وفي البيضة (٣) خطب أصحابَ الحر فقال بعد الحمد لله والثناء عليه : «أيّها
__________________
(١) تقدّم استشهاده (ع) وتكرّر منه الاستشهاد بها.
(٢) ارشاد المفيد ، وزاد ابن شهر آشوب في المناقب ٢ ص ١٩٣ بعد البيت الثاني :
اقدم نفسي لا اريد بقاءها |
|
لتلقى خميساً في الهياج عرمرما |
تقدّم تمثله (عليه السّلام) بالبيت الأول والثاني وما جرى بين الحر والحسين في الطريق (مقتل الخوارزمي ١ ص ٢٣٠ وما بعدها).
(٣) البيضة ما بين واقصة إلى عذيب الهجانات وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة.