فالناهض بفِكرة
صالحة ، لابُدَّ وأنْ يُثابِر على نشره ، والدعوة إليه ، ثابت العَزم ، راسخ
القَدم ، لا تُزحزحه عواصف العواطف ، ولا تُزلزله قواصف المَخاوف ، ولكنْ عليه أنْ
يستخدم في سبيلها العِبر ، والغير والأحوال ، وبقاء الحال مُحال ، حتَّى لو وجد
مُحيطه بالغ الفساد ، غير صالح للإصلاح ، استبدل عن المكان بمكان ، وعن الجيران
بجيران ، تلك سُنَّة الأنبياء والمُصلحين ، حتَّى إذا فاز بهيئةٍ صالحةٍ ، وقوَّة
مُسلَّحة ، عاد إلى مركزه (والعَود أحمد) كذلك محمّد (صلَّى الله عليه وآله) مِن
مَكَّة ، ثمَّ إليها وذاك موسى مِن مِصره ، ثمَّ إليه ، هذا ، وليس حسينُ التاريخ
بِدْعاً مِن رُسل الإصلاح ؛ إذا هاجر مِن موطنه خَوفاً على مَسلكه ، أو أملاً
بنهضته.
فقد سَمِعتَ الأسباب ، التي دَعت حسيناً
أنْ يُغادر يثرب خائفاً يترقَّب ، فاسمع الآن آثار هذه الهِجرة ، وحُسْن انعكاسها
في العالم الإسلامي.
قد سَبق أنَّ المُخابرات بين المدينة
والمُدْن ، كانت تحت المُراقبة ومفقودة الوسائل والوسائط ، فصارت حركة الحسين (عليه
السّلام) قضيَّة ذات بالٍ تَناقلتها المَحافل والقَوافل ، والناس بعد حُلوله أُمَّ
القُرى ، ومَن حولها سوابلَ جاريةً إلى الجهات ، فانتشر الخبر بأهميَّة لا مزيد
عليها ، حتَّى صار حديث كلِّ اثنين يَجتمعان.
- «ما وراك؟»
- «هاجر الحسين (عليه السّلام) مِن مدينة جَدِّه».
- «لماذا؟»
- «لأنَّ يزيد قصد إرغامه على مُبايعته».