إذنْ ، فماذا يَصنع الحسين (عليه
السّلام) ، إلاَّ أنْ يُهاجر إلى مَكَّة ابتغاء الابتعاد مِن المنطقة المروانيَّة
، ولقاء وجوه المسلمين في الحَجِّ ، وانتظار الفرج؟ ولكنْ كيف يُهاجِر بأُسرته
الوفيرة العدد بلا عُدَد ، والهِجرة بالأهل ليس بالسَّهل ، سيَّما في مَسالكَ
وعِرةٍ غامضةِ الحال ، مُبهَمة الاستقبال.
وفي النهاية ، اختار الحسين (عليه
السّلام) هذا الرأي الأخير على حَراجته ، وأوحى بذلك إلى إخوانه ورجال أُسرته ، وهم
يُلبونه فيما يرغب ، مَهْما كانوا كارهين ، التأهب لِما يُحِب كما يَجب ، إلاَّ
محمّد بن الحنفية ؛ فإنَّه سأل أخاه البقاء في حَرم جَدِّه بين أنصاره ، فأجابه
الحسين (عليه السّلام) بمَبلغ عَداوة يزيد معه ، وسوء نيَّته فيه ، وضُعف ثقته في
ناصريه.
فقال ابن الحنفية : إنْ كان ولابُدَّ
مِن ذلك ، فما معنى حملُك النسوة والذُّريَّة؟.
فلمْ يَجِد الحسين (عليه السّلام) مُقنِعاً
لأخيه ، إلاَّ أنْ يقول له : إنَّه مِن فَرط الحُبِّ المُتبادل بينه وبينهنَّ ، لا
يستطيع فِراقهنَّ ، كما لا يرضيْنَ بفِراقه ، ولو جرى عليهم ما شاء الله أنْ يَجري.
فقال ابن الحنفية : إنّك يا أخي ، أحبُّ
الناس إليَّ ، وأعزُّهم عليَّ ، ولست أدّخِر النصيحة لغيرك ، تَنحَّ بيعتك عن يزيد
، ثمَّ ابعث رسُلك إلى الناس ، فإنْ بايعوك حمدتَ الله ، وإنْ اجتمعوا على غيرك ، لم
يَنقص دينك ، ولا فضلك ، ولم تَذهب به مروَّتك.
قال الحسين (عليه السّلام) : «فأينَ
أذهب يا أخي؟»
قال : انزل مَكَّة ، فإنْ اطمأنَّت بك
الدار فيها ، وإلاّ لَحِقت بالرمال