بأجلاف القوم ، زاحفون مِن سَفح التِّلال ، نحو مُخيَّمه للسَّلب والنَّهب ؛ فأثارت الغيرة في حسين المَجد روحاً جديدة ؛ فنهض زاحفاً على رُكبتيه قائلاً :
«يا شيعة آل أبي سفيان ، إنْ لم يَكُن لكم دين ، وكُنتم لا تَخافون يوم المَعاد ، فكونوا أحراراً في دُنياكم ، وراجعوا أحسابكم وأنسابكم إنْ كُنتم عُرباً».
فصاح شِمر : ما تقول يا بن فاطمة؟
قال الإمام : «أقول : أنا الذي أقاتلكم وتُقاتلونني ، والنساء ليس عليهنَّ جِناح ؛ فارجعوا بطُغاتكم وجُهَّالكم عن التعرُّض لحُرمي».
فقالوا : ذلك لك ؛ ورجعوا.
ومَكث الإمام (عليه السّلام) صريعاً ، يُعالج جروحه الدامية ، والنّاس يتَّقون قتله ، وكلٌّ يَرغب في أنْ يَكفيه غيره ، فصرخ بهم شمر قائلاً : ويَحكم! ماذا تنتظرون بالرجل؟! أقتلوه ثَكلتْكم أُمَّهاتُكم.
فهاجوا على الحسين (عليه السّلام) واحتوشوه ، فضربه زُرعة على عاتقه بالسيف ، وأقبل عندئذٍ غُلامٌ مِن أهله ، وقام إلى جنبه ، وقد هوى ابن كعب بسيفه ، فصاح به الغُلام : يابن الخبيثة ، أتقتل عَمِّي؟! واتَّقى السيف بيده ، فأطنَّها وتعلَّقت بالجِلدة ؛ فنادى الغُلام : يا أُمَّاه! فاعتنقه الحسين (عليه السّلام) ، قائلاً :
«صَبراً يابن أخي على ما نزل بك ، فإنَّ الله سيُلحقك بآبائك الطاهرين الصالحين ، برسول الله ، وبعليٍّ ، وبالحسن».
ثمَّ قال : «اللَّهمَّ امسك عنهم قَطر السماء ، وأمنعهم بركات الأرض ، اللَّهمَّ إنْ متَّعتهم إلى حين ، ففرِّقهم فرقاً ، واجعلهم قِدداً ، ولا تُرضِ عنهم الولاة أبداً ؛ فإنَّهم دعونا لينصرونا ، فعدوا علينا يقتلونا».