والأمكنة ، ولكنْ بتبدُّل أشكال ، واختلاف غايات ومَظاهر.
وما تاريخ البشر سِوى نَهضات أفراد بجماعات ، وحركات أقوام لغايات ؛ فوقتاً الخليل ونمرود ، وحيناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله) وأبو سفيان (١) ، ويومَاً عليّ (عليه السّلام) ومُعاوية. ولمْ تَزل ، ولنْ تَزال في الأُمم نهضات لأئمَّة هُدى تِجاه أئمَّة جَور.
ونَهضة الحسين ـ مِن بين النهضات ـ قد استحقَّت مِن النفوس إعجاباً أكثر ؛ وليس هذا لمُجرَّد ما فيها مِن مَظاهر الفضائل ، وإقدام مُعارضيه على الرذائل ، بلْ لأنّ الحسين (عليه السّلام) في إنكاره على
______________________
(١) هو صخر بن حرب بن أُميَّة بن عبد شمس. كان في الجاهليَّة بيّاع الزيت والأديم. ذميم الخِلْقة ، ومِن كبار قريش ، حتَّى قامت قيامة قريش على الهاشميّين قُبيل الهِجرة ؛ فترأّس في المُحالفة القرشيَّة ، وأخذ على عاتقه مُناوأة الإسلام ، ومُقاتلة المسلمين. وله في عام الهِجرة ، نحو سبع وخمسين سنة ، ولم تُقصِّر عنه أُخته أُمُّ جميل العوراء ، في إيذاء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، وسعيها بالنميمة والفساد بين بني هاشم والقبائل ؛ إذ كانت تَحتَ أبي لهب ، والمقصودة مِن آية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) إلى آخره.
ولم يَبرح يُثير الأقوام ، ويُشكِّل الأحزاب ضِدَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، كما في بدر الكُبرى ، وبدر الصُّغرى ، وفي أحُدٍ ، والأحزاب ، وفي وقائعه الأُخرى ، ولم يهدأ ساعة عن مُعاداة النبي في السِّر والعَلانية ، وبإثارة النفوس والجيوش ضِدَّه ، ويُجاهد المسلمين جِهده إلى يوم فتح مَكَّة ؛ حيث أسلم مع بَقيّة قريش.
أوَّل مَشاهد أبي سفيان مع المسلمين ، كان في غزوة حُنين ؛ فمنحه المُصطفى (صلَّى الله عليه وآله) مائة بَعيرٍ مِن غنائم الحرب ، مُنوِّهاً به وبمكانته ، ثمَّ اشترك أبو سفيان يوم الطائف ، فأصابته نَبلة في إحدى عينيه ؛ ففُقِأت وأصبح أعور.
ثمَّ اشترك في واقعة اليرموك ، في السنة الثالثة عشرة للهِجرة ، على عَهد أبي بكر ؛ فأصابت نبلةٌ عينه الثانية ففَقأتها ، وأصبح أعمى.
ماتَ في دِمشق ، عند ولده مُعاوية ، سنة إحدى وثلاثين هِجرية ، عن ثماني وثمانين سَنة ، ودُفِن بها.