لتنفيذ الفضول ، والأوعية
لحملها ، والفرج لأقامة النّسل و ....
فكر يا مفضّل في الأفعال الّتي جعلت في
الانسان من الطّعم والنّوم والجماع ، وما دبّر فيها ؛ فانّه جعل لكل واحد منها في
الطّباع نفسه محرّك يقتضيه ويستحثّ به ، فالجوع يقتضي الطّعم الّذي به حياة البدن
وقوامه ، والكرى تقتضي النّوم الّذي فيه راحة البدن واجمام قواه ، والشّبق يقتضى
الجماع الّذي فيه دوام النّسل وبقاؤه. ولو كان الانسان انّما يصير إلى اكل الطّعام
لمعرفته بحاجة بدنه اليه ، ولم يجد من طباعه شيئا يضطرّه إلى ذلك ، كان خليقا ان
يتوانى عنه احيانا بالتّثقّل والكسل ، حتّى ينحلّ بدنه فيهلك ، كما يحتاج الواحد
إلى الدّواء بشيء ممّا يصلح ببدنه ، فيدافع به حتّى يؤدّيه ذلك إلى المرض والموت.
وكذلك لو كان انّما يصير إلى النّوم بالتّفكر في حاجته إلى راحة البدن واجمام قواه
، كان عسى ان يتثاقل عن ذلك فيدمغه حتّى ينهك بدنه. ولو كان انّما يتحرّك للجماع
بالرّغبه في الولد كان غير بعيد ان يفترّ عنه حتّى يقلّ النّسل أو ينقطع ؛ فانّ من
النّاس من لا يرغب في الولد ولا يحفل به. فانظر كيف جعل لكلّ واحد من هذه الأفعال
الّتي بها قوام الانسان وصلاحه محرّك من نفس الطّبع ، يحركه لذلك ويحدوه عليه!
....
اعتبر يا مفضّل بأشياء خلقت لمآرب
الانسان ، وما فيها من التّدبير ... فانّ حاجة الانسان إلى الماء اشدّ من حاجته
إلى الخبز ؛ وذلك انّ صبره على الجوع اكثر من صبره على العطش ... فجعل الماء
مبذولا لا يشترى لتسقط عن الانسان المؤونة في طلبه وتكلفّه ؛ وجعل الخبز متعذّرا
لا ينال الاّ بالحيلة والحركة ، ليكون للانسان في ذلك شغل يكفّه عمّا يخرجه اليه
الفراغ من الأشر والعبث ؛ ألا ترى انّ الصّبيّ يدفع إلى المؤدّب وهو طفل لم يكمل
ذاته للتّعليم؟ كلّ ذلك ليشتغل عن اللّعب والعبث اللّذين ربما جنيا عليه وعلى اهله
المكروه العظيم. وهكذا الانسان لو خلا من الشغل لخرج من الأشر والعبث والبطر إلى
ما يعظم ضرره عليه وعلى من قرب منه. واعتبر ذلك بمن نشأ في الجدّ ورفاهية العيش
....
لم صار الرّجل والمرأة اذا ادركا نبتت
لهما العانة ، ثمّ نبتت اللّحية للرجل وتخلّفت عن المرأة؟ لو لا التّدبير في ذلك
فانّه لما جعل اللّه تبارك وتعالى الرّجل قيّما ورقيبا على المرأة ، وجعل المرأة
عرسا وخولا للّرجل. اعطى الرّجل اللّحيه لما له من العزّة والجلالة والهيبة ؛ ومنعها
المرأة لتبقى لها نضارة الوجه والبهجة الّتي تشاكل المفاكهة والمضاجعة ....
وقد كان من القدماء طائفة انكروا العمد
والتّدبير في الأشياء ، وزعموا انّ كونها بالعرض و