ترجع إلى كون الخبر موجودا في الأصول والكتب المعوّل عليها ، المعلومة الانتساب إلى أربابها ، المتّصلة طرقه وأسانيده إليها ، وأخرجه منها ، أو تلقّاها عن الثقات الذين لم تكن معرفته لهم متوقّفة على أمور نظريّة ، لكونهم من مشايخه ومشايخ مشايخه ، وقرب عصره منهم ، وعدم اشتباههم بغيرهم ، وكلّها شهادة حسيّة مقبولة عند الفقهاء (١) ، فلو شهد عادل أنّ هذا الكتاب لفلان ، وهذا الكلام موجود في كتاب فلان ، أو فلان ثقة ، فهل رأيت أحدا يستشكل في ذلك؟ بل عليه مدار الفقه في نقل الفتاوى ، والآراء ، والأقوال ، والتزكية ، والجرح ، وقد عرفت أنّ موافقة الكتاب والسنّة لم تكن عندهم من أسباب الصحّة ، فلا تحتاج شهادته رحمهالله إلى نظر يوجب الاعتماد عليها الاعتماد على ظنّ المجتهد.
وأمّا الثاني : فلأن صحّة الخبر حينئذ تتوقّف على تشخيص رجال السند ، المتوقف على تمييز المشتركات منها ، ولبعد العهد عن الرواة صار هذا الباب من مطالب الرجال من المسائل النظريّة الصعبة ، التي اختلفت الأنظار في مواردها ، وكذا على توثيق آحاده بما ذكروه في ترجمته ، من الألفاظ الصريحة في التوثيق ، والظاهرة فيه ، والتي اختلف في دلالتها على التوثيق.
وقد بلغ الخلاف في (كلمة) إلى حدّ فهم بعضهم منها المدح بل التوثيق ، وآخر منها الذم والضعف ، كقولهم في حقّ جماعة : أسند عنه (٢) ، وكذا
__________________
(١) إذا ادعى الثقة صحة خبر ، فإنها في الحقيقة شهادة منه ، إما بتعديل الرواة ، أو بثبوت مضمون الخبر بالقرائن المفيدة للصحة ، وذلك غير كاف في حق الناظر ما لم يطلع على الحال التي استفيد منها الصحة ، ولعلّها عنده غير مفيدة على ما لا يخفى ، لأنّ تلك الدعوى قد تكون اجتهادا مستنبطا مما اعتقده قرينة على الصدق.
انظر : جامع المقال : ٢٦ ، ومعجم رجال الحديث ١ : ٩٢.
(٢) أول من آثار هذا المصطلح هو الشيخ الطوسي في كتاب الرجال ، وهناك بحث مفصل في ما أثير من نقاش حوله للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي انتهى فيه بنتائج قيمة.