يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ) (١) فإذا وجدنا القرآن قد دلّ في مواضع على نفي القبول منهم لما يبذلونه على وجه القربة ، وما يبذلونه على وجه الفدية ، لم يكن مخالفنا أولى بحمل ذلك على وجه القربة منا بحمله على وجه الفدية والقربة ، جميعا ، إذ كان فيهما زيادة معنى.
وكنا مع هذه الحال نافين عن كلام الله تعالى ما لا يليق به من إيراد الزوائد المستغنى عنها ، والتي لا يستعين بمثلها إلاّ من يضطرّه ضيق العبارة إليها ، أو يحمله فضل العيّ (٢) عليها ، وذلك مزاح عن كلام الله سبحانه ، فكلّما حملت حروفه على زيادات للمعاني والأغراض كان ذلك أليق به من حمله على نقصان المعاني مع زيادات الألفاظ ، وفي ما ذكرناه من ذلك مقنع بحمد الله (٣) ، انتهى كلامه الشريف.
وقد خرجنا بطوله عن وضعنا ، إلاّ أنّ ذكر أمثاله في ترجمته أولى من نقل إشعاره ، خصوصا ما مدح به أجلاف بني العباس اضطرارا ، وذكر كلمات المترجمين في مدحها وحسنها ، لا نقول ما قاله الفاضل المعاصر في ترجمته في الروضات ، فإنه بعد ما بالغ في الثناء عليه في أوّل الترجمة حتى قال : لم يبصر بمثله إلى الآن عين الزمان في جميع ما يطلبه إنسان العين من عين الإنسان ، وسبحان الذي ورثه غير العصمة والإمامة ما أراد من قبل أجداده الأمجاد وجعله حجّة على قاطبة البشر في يوم الميعاد (٤) ، جعله في آخر الترجمة من أجلاف الشعراء الذين ديدنهم مدح الفاسقين لجلب الحطام.
ولو لا شبهة دخول نقل كلامه في تشييع الفاحشة ، لنقلته بطوله لينظر
__________________
(١) التوبة ١٠ : ٥٣ ـ ٥٤.
(٢) العيّ : العجز عن النطق وبيان مراده. أنظر (المعجم الوسيط ٢ : ٦٤٢)
(٣) حقائق التأويل في متشابه التنزيل : ١٦٨ ـ ١٧٤.
(٤) روضات الجنات ٦ : ١٩٠ ـ ٢٠٦ / ٥٧٨.