الناظر كيف ناقض ذيل كلامه صدره ، إلاّ أني أذكر من باب المثال قوله : ومما يحقق لك أيضا جميع ما ذكرناه كثرة ما يوجد في ديوان هذا الرجل العظيم الشأن من قصائد (١) مديح الخلفاء والأعيان ، وشواهد الركون إلى أهل الديوان ، مع عدم محضور له في ترك هذا التملّق ، وظهور المباينة بين قوله هذا وفعله الذي أفاد في الظاهر أن لا تقيد له بأهل الدنيا ، ولا تعلّق ، وكذا من أشعار الغزل والتشبيب ، وصفة الخدّ والعارض والعذار من الحبيب ، وأشعار المفاخرة بالأصل والنسب. إلى آخر ما قال مما كاد [أن] تزول منه الجبال.
بل نقول : مضافا إلى أن قوّة النظم ، وملكة الشعر في عالم وان فاتت أئمته لا يعدّ من الكمالات التي تطلب من حفّاظ الشرع ، وسدنة الدين ، وإنه رحمهالله في نظمه ذلك كان معذورا ، بل ربّما كان عليه واجبا ، ولكن نشره من بعده ، وبعد قطع دابر الظالمين ترويج للباطل ، فإن الفقهاء قد نصّوا في أبواب المكاسب أن مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم ، حرام.
وقال الشيخ الأعظم الأنصاري (طاب ثراه) : والوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا ، ويدل عليه من الشرع قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (٢).
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : من عظّم صاحب دنيا وأحبّه طمعا في دنياه سخط الله عليه ، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار (٣).
وفي النبوي الآخر ـ الوارد في حديث المناهي ـ : من مدح سلطانا جائرا ، أو تخفّف أو تضعضع له طمعا فيه ، كان قرينه في النار (٤).
__________________
(١) في الحجريّة : فضائل ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) هود ١١ : ١١٣.
(٣) ثواب الأعمال : ٣٣١ / ١.
(٤) الفقيه ٤ : ٦.