وفي نسخة اخرى محكيّة عقيب قوله عليهالسلام : « أو أربعة أذرع » قوله : « لم ينجّس شيء من ذلك ، وإن كان أقلّ من ذلك نجّسها ، قال : وإن كانت البئر في أسفل الوادي ، ويمرّ الماء عليها ، وكان بينه وبين البئر تسعة أذرع لم ينجّس ، وما كان أقلّ من ذلك فلا تتوضّأ منه ، فقلت له : فإن كان مجرى البول يلصقها ... » الحديث (١).
والجواب عن الأوّل : منع كون السائل معتقدا بالنجاسة حتّى يلاحظ فيه التقرير وعدمه ، وإن عبّر في سؤاله بلفظ « التطهير » الموهم لذلك ، لجواز كون عدم النجاسة معهودا فيما بينه وبين المسئول ، معلوما له منه عليهالسلام ، وأنّ النزح إنّما يجب تعبّدا ، أو أنّه مستحبّ مع جهله بوظيفة الواجب التعبّدي ، أو الاستحباب في مفروض السؤال ، فسأل عنه بعبارة : « ما الّذي يطهّرها؟ » تورية وتحفّظا عن عثور المخالف على ما هو عليه من المذهب ، فأجابه الإمام عليهالسلام على وفق غرضه من السؤال ، لعلمه عليهالسلام به بما أفاده التخيير في مراتب الجمع المناسب للاستحباب.
ويقوى هذا الاحتمال بملاحظة أنّ السائل كان يعدّ من وزراء الخليفة ، فدواعي التقيّة بالنسبة إليه كانت متحقّقة من جهات عديدة ، مع ملاحظة أنّ المسألة فيما بينه وبين المسئول حصلت بطريق المكاتبة ، ومن الواضح أنّ المراسلة وإن ارسلت في خفية ممّا يظفر عليه الأعداء المستور عنهم كثيرا ، خصوصا في حقّ من يكثر عنده تردّد المخالفين ، وهو يعاشرهم ليلا ونهارا ، ولا معنى لأصالة عدم التقيّة مع قيام هذه الدواعي وقوّة احتماله.
ولو سلّم أنّه كان معتقدا بالنجاسة ، ولم يكن في سؤاله مظهرا للتقيّة مريدا به التورية ، ولكن الجواب الصادر عن الإمام عليهالسلام إمّا ردع له عمّا اعتقده ، أو إمساك عن الردع صريحا مع التنبيه على خطئه في اعتقاده ومخالفته للواقع ، وذلك لأنّ صيغة الجمع في قوله عليهالسلام : « ينزح دلاء » إمّا يراد بها الماهيّة المطلقة الّتي مفادها التخيير بين مصاديقها المترتّبة الّتي منها أقلّ مراتب الجمع ، أو مراد بها الإهمال الغير الملحوظ معه شيء من الإطلاق والتقييد ، أو مراد بها المرتبة المعيّنة من مراتب الجمع مع عدم إفادته التعيين للسائل أصلا ، أو تأخير بيانه إلى زمان آخر ، أو إحالته في معرفة التعيين
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٩٧ ب ٢٤ من أبواب الماء المطلق ح ١ ـ الكافي ٣ : ٧ / ٢ ـ التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٣ ـ الاستبصار ٤٦ / ١٢٨.