لأنّ ذلك الحمل ثمّة إنّما هو بقرينة ما تقدّم من وصف الواسعيّة ، واستثناء التغيّر الموجب للتنجيس لا محالة ، المقتضي لكون الحكم المنفيّ في المستثنى منه هو التنجيس أو ما يعمّه ، لئلّا يلزم عدم ارتباط الاستثناء بسابقه ، للزومه كون المنفيّ في المستثنى منه شيئا والمثبت في المستثنى شيئا آخر.
وأمّا ثانيا : فلأنّه لو كان علّة المنع التنجيس ، لكان التعليل باللغويّة وزيادة محذور النجاسة في البدن ، وعدم تأتّي الغرض ـ وهو زوال الحدث ـ أولى من التعليل بفساد الماء على القوم ، الّذي علاجه سهل لزواله بالنزح المتعدّد ، إذ المفروض أنّ الماء ينجّس بمجرّد الملاقاة فلا يفيد رفعا للحدث ، ومع ذلك يفيد نجاسة البدن كلّه لملاقاته الماء النجس ، واحتمال طهره بالانفصال عن الماء وبقاء الماء نجسا مبنيّ على عدم اشتراط ورود الماء على المحلّ النجس في تطهيره مطلقا ، حتّى في البدن إذا غسل فيما ينفعل ، ولعلّه ممنوع كما يأتي في محلّه.
وأمّا ثالثا : فعلى تسليم كون المراد به التنجيس ، فكونه هو التنجيس الواقعي الّذي يراه الشارع تنجيسا في حيّز المنع ، لجواز كون المراد به ما هو التنجيس بحسب اعتقاد القوم ومذهبهم الفاسد ، نظرا إلى أنّ المراد بهم الفرقة الغير المحقّة القائلين بالتنجيس ، حيث قد عرفت كونه مذهبا للجمهور ـ على ما حكاه العلّامة (١) ووافقه آخرون ـ فلعلّ الراوي كان محشورا معهم ، وكانت البئر متعلّقة بهم ، وهم يزعمون الملاقاة للنجاسة سببا للتنجيس.
وممّا يومئ إلى إرادة هذا المعنى تعبيره عليهالسلام بعدم افساده على القوم مائهم ، فلو كان ذلك سببا للتنجيس في متن الواقع لكان الأولى التعبير بما يخصّ الراوي ، أو بما يعمّه أيضا ، بأن يقول : « لا تفسد الماء على نفسك » ، أو « لا تفسده مطلقا » ، أو مع « قيد على أنفسكم » وما يؤدّي مؤدّاه ، فتأمّل.
ومنها : جملة من الأخبار كصحيحة محمّد بن إسماعيل المرويّة في التهذيبين ، والكافي ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن البئر يكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها ، ما الّذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقّع عليهالسلام في كتابي بخطّه :
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ٥٦.