عندنا عند الضرورة » (١).
ولا يخفى ما في الوجهين الأخيرين من التكلّف ، وإنّما دعاه إليه مصيره إلى وجوب النزح ، مع ما في وجهه الأخيرين من إمكان المنع ، لما عن المحقّق في المعتبر من أنّه ذكره وزاده في آخره : « فصبّه فتوضّأ منه ، وشرب » (٢).
وما أرسله الصدوق : « أنّه كان في المدينة بئر وسط مزبلة ، وكانت الريح تهبّ وتلقي فيها العذرة ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآله يتوضّأ منها » (٣).
ورواية محمّد بن القاسم عن أبي الحسن عليهالسلام : في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمس أذرع ، أو أقلّ ، أو أكثر ، يتوضّأ منها؟ قال : « ليس يكره من قرب ولا بعد ، يتوضّأ منها ويغتسل ما لم يتغيّر الماء » (٤).
ومن الروايات المعتبرة في هذا الباب موثّقة عمّار ، قال سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن البئر تقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، قال : « لا بأس ، إذا كان فيها ماء كثير » (٥).
قيل في وجه دلالتها : أنّ الكثرة العرفيّة غير معتبرة في الماء إجماعا إلّا للتحفّظ عن التغيّر ، ولم يثبت الحقيقة الشرعيّة في لفظ « كثير » ليكون الرواية دليلا على اعتبار الكرّيّة في البئر.
وبالجملة : هذه جملة روايات أكثرها معتبرة الأسانيد ، واضحة الدلالات ، عثرنا عليها في الباب تدلّ بإطلاقها على عدم انفعال ماء البئر بمجرّد الملاقاة ، كرّا كان أو دونه ، فهي بالقياس إلى الكرّ على طبق الأصل الثابت فيه ، وبالقياس إلى ما دونه تنهض حاكمة على أدلّة انفعال القليل ، إمّا لأنّه لا تعارض بينهما لعدم تناول أكثر تلك الأدلّة لماء البئر ، أو لكون التأويل فيها أولى ، إن كان النظر فيها إلى ما يعارض بعمومه أخبار الباب معارضة العامّين من وجه.
فظهر إذن أنّ الأقوى في المسألة ما صار إليه معظم المتأخّرين ، من عدم الانفعال مطلقا.
وممّا يمكن أن يؤخذ دليلا على هذا المطلب ـ مضافا إلى ما سيأتي الإشارة إليه ـ
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٤٠ ذيل الحديث ٦٩٣.
(٢) المعتبر : ١١.
(٣) الوسائل ١ : ١٧٤ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٢٠ ـ الفقيه ١ : ١٥ / ٣٣.
(٤) الوسائل ١ : ١٧١ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٤ ـ الكافي ٣ : ٨ / ٤.
(٥) الوسائل ١ : ١٧٤ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ١٥ ـ التهذيب ١ : ٤١٦ / ١٣١٢.