المدارك والمعالم ، وأوردا عليه : بكونه إثباتا للّغة بالاستدلال ، بل
مستنده في ذلك ـ كما فهمه صاحب الحدائق وغيره ـ إنّما هو العرف ، وطريقة أهل اللسان الّذين
عبّر عنهم بأهل اللغة ، وإنّما ذكر ذلك حكمة لكونه لهذا المعنى وعلّة له بعد
الوقوع ، هدما لإنكار من أنكره ، غاية الأمر خطؤه في فهم ما ذكره من الحكمة ، ولا
ريب أنّ خطأه في ذلك لا يقضي بخطئه في فهم أصل المعنى عن العرف ، ونحن نأخذ بفهمه
هذا ونطرح فهمه الآخر لعلمنا بفساده.
وإلى ذلك ينظر
ما ذكره ثاني الشهيدين في الروضة ـ عند شرح التعريف الّذي ذكره الشهيد الأوّل
للطهارة شرعا ، وهو : « استعمال طهور مشروط بالنيّة » ـ فقال : « والطهور مبالغة
في الطاهر ، والمراد منه هنا الطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، جعل بحسب الاستعمال
متعدّيا ، وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما كالأكول » ، فإنّ مراده
بالاستعمال إنّما هو الاستعمال العرفي ، فيكون كلامه في موضع دعوى تحقّق النقل في
تلك اللفظة عرفا عن المعنى اللازم اللغوي المبالغي إلى المعنى المتعدّي ، فهو أيضا
نصّ في اللغة ، حكمه حكم نصّ من تقدّم من أئمّة اللغة.
ويوافقه في تلك
الدعوى ما عن المعتبر وكنز العرفان من أنّ كلام أبي حنيفة موافق لمقتضى القياس غير موافق
لمقتضى الاستعمال ، فإنّ ظاهر هما إرادة الاستعمال الحقيقي ، لأنّ الاستعمال
المجازي في هذا المعنى ليس ممّا ينكره أحد ، حتّى أبي حنيفة الّذي ظاهر كلامه فيما
أنكره إنّما هو الجري على مقتضى الأصل ، كما هو مناط حمل اللفظ المجرّد عن القرينة
، ولا ريب أنّ الاستعمال الحقيقي الّذي ادّعياه لا يكون إلّا من جهة النقل العرفي
، لاعترافهما بكون القياس اللغوي على خلافه ، فهو منهما أيضا بمنزلة النصّ اللغوي
، فيكون مسموعا.
ثمّ لا يذهب
عليك أنّ كلام هذين ـ ككلام ثاني الشهيدين ـ في دعوى النقل لا يخالف كلام من تقدّم
من أئمّة اللغة ، فإنّ كلامهم وإن كان خاليا عن تلك الدعوى ،
__________________