سقوطه على الأرض النجسة وبين ما لم يكن كذلك ، ولمّا كان الأوّل محكوما عليه بالنجاسة ، فلا بدّ وأن يكون الثاني ـ بقرينة المقابلة ـ محكوما عليه بالطهارة ليختلف القسمان المتقابلان في الحكم ، وإنّما حكم بالنجاسة في الأوّل أخذا بالقدر المتيقّن ممّا خرج بالدليل عن قاعدة انفعال القليل الملاقي للنجاسة ، أو لأنّ الظاهر من ماء الاستنجاء المحكوم عليه بالطهارة في الروايات ما لم يباشر نجاسة اخرى غير نجاسة الحدثين والمفروض ليس منه ، ولذا جعلوا عدم ملاقاته نجاسة اخرى خارجة عن حقيقة الحدث المستنجى منه ـ كالدم مثلا ـ من جملة الشروط على ما سيأتي بيانه.
ومنها : قوله ـ عقيب ما ذكر ثانيا ـ : « وكذا لو تغيّر أحد أوصافه من الاستنجاء » (١) فإنّه تشبيه للمتغيّر من ماء الاستنجاء بالاستنجاء بالقسم المحكوم عليه بالنجاسة ، فيكون هو أيضا محكوما عليه بها ، وهو ممّا حكم عليه بالعفو بمنزلة الاستثناء ، فيكون المراد بالعفو المحكوم به هنا الطهارة ، ليتغاير المستثنى مع المستثنى منه في الحكم.
ومنها : قوله ـ بعد ما فرغ من الاستدلال على العفو ، الّذي حكم به في الاستنجاء بروايتي الأحول ورواية عبد الكريم : ـ « وهكذا حكم الماء الّذي يتوضّأ به أو يغتسل به من الجنابة ، أمّا عندنا فظاهر وأمّا عند الشيخ فلما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل الجنب يغتسل ، فينتضح من الأرض في إنائه؟ فقال : « لا بأس (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) وفي الصحيح عن الفضيل أيضا » (٣) الخ.
فإنّه تشبيه للماء المستعمل في الوضوء والغسل بماء الاستنجاء ، ومن المعلوم لزوم مشاركة المشبّه للمشبّه به في الحكم ، ولو لا المراد بالعفو المحكوم به على ماء الاستنجاء الطهارة خرج هذا التشبيه باطلا ، لأنّ مذهبه في المستعمل في دفع الحدثين الأصغر والأكبر إنّما هو كونه طاهرا ومطهّرا ـ كما حقّقه سابقا ـ خلافا للشيخ الّذي يراه طاهرا فقط ، كما أشار إليه بقوله : « أمّا عندنا فظاهر » فإنّ ذلك إحالة لوجه المسألة إلى ما حقّقه سابقا في مسألتي الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر والمستعمل في رفع الحدث الأكبر ، فإنّه حكم في الاولى بأنّه طاهر مطهّر إجماعا (٤) ، ثمّ ساق الكلام إلى نقل مذاهب العامّة في ذلك ، وفي الثانية ـ بعد ما أسند إلى الشيخين وابن بابويه في
__________________
(١ و ٣ و ٤) المنتهى ١ : ١٤٣ و ١٤٤ و ١٢٨.
(٢) الحجّ : ١٣.