الشهيدين فيما يأتي بيانه ، أو لأنّ ذلك تأييد الأوّل من حيث موافقته له في لازم مفاده وهو العفو الّذي لا ينفكّ عن الطهارة ظاهرا ، أو أنّ الغرض بالتمسّك به إثبات بعض المطلب وإن كان من جهة الملزوم لا إثبات تمامه ، أو إثبات ما هو مفاده ليصار إليه لو خرج الوجه الأوّل مردودا أو غير واضح الدلالة على الطهارة ، حيث إنّ المصير إليه بعد قصور دليل الطهارة عن الدلالة ممّا لا محيص عنه.
وبالجملة : فنسبة القول بالعفو إلى المعتبر مستفادا من عبارته المتقدّمة ليس على ما ينبغي ، وإن تصدّى لها جماعة من الأساطين ، إذ الصارم قد ينبو والجواد قد يكبو ، بل الحقّ الّذي لا محيص عنه هو القول بصراحة المعتبر في اختيار الطهارة ، فليس من أصحابنا من صرّح بالعفو ، وصار إليه على سبيل الجزم والإذعان ، ولا الاطمئنان.
نعم ، للعلّامة في المنتهى كلام ربّما يدخل في الوهم مصيره إلى العفو دون الطهارة ، ومن هنا يظهر عن المحقّق الخوانساري في شرح الدروس نسبته إليه في الكتاب المذكور بنقل عبارته ، فإنّه قال فيه : « عفي عن ماء الاستنجاء إذا سقط منه شيء على ثوبه أو بدنه ، سواء رجع على الأرض الطاهرة أو لا ، وصرّح الشيخان بطهارته » (١) ومراده بقوله : « سواء رجع على الأرض الطاهرة أو لا » بقرينة ما نذكره بعد ذلك أنّه سواء سقط على الأرض الطاهرة فرجع منها إلى الثوب أو البدن ، أو سقط عليهما ابتداء.
وأنت خبير بأنّ ذلك أيضا وهم صرف منشؤه عدم المراجعة إلى فقرات كلامه المتأخّرة عن تلك العبارة ، بل الّذي يقتضيه التدبّر وصحيح النظر أنّه أيضا قائل فيه بالطهارة ، وأنّ تعبيره بالعفو مسامحة أو كناية عنها ، وأنّ مراده بما نسبه إلى الشيخين الإتيان بموافق له في تلك المقالة ، لا إبداء المخالفة بينه وبينهما ، والّذي يفصح عن ذلك امور عديدة ، كلّ واحد منها قرينة واضحة على ما ادّعيناه ، وشاهد على بما نسبناه إليه ، وجعلنا العفو المصرّح به في كلامه عبارة عن الطهارة.
فمن جملة هذه الامور ، قوله ـ بعد العبارة المذكورة بلا فاصلة ـ : « أمّا لو سقط وعلى الأرض نجاسة ثمّ رجع على الثوب أو البدن فهو نجس ، سواء تغيّر أو لا » (٢) فإنّ ذلك مع ضميمة ما سبق تفصيل لحكم ماء الاستنجاء بين ما لو رجع على الثوب والبدن بعد
__________________
(١) مشارق الشموس : ٢٥٢.
(٢) منتهى المطلب ١ : ١٤٣.