كلّهم والبوريني معهم صموتا جمودا لا يدرون ما يقول ، غير أنّهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب ، فعندها نهض البوريني واقفا على قدميه وقال : إن كان ولا بد فأنت البهائي الحارثي ، إذ لا أجد في هذه المثابة إلا ذاك واعتنقا ، وأخذا بعد ذلك في إيراد أنفس ما يحفظان ، وسأل البهائي من البوريني كتمان أمره ، وافترقا تلك الليلة ، ثم لم يقم البهائي فأقلع إلى حلب.
وذكر الشيخ أبو الوفاء العرضي في ترجمته قال : قدم حلب مستخفيا في زمن السلطان مراد بن سليم ، مغيّرا صورته بصورة رجل درويش ، فحضر دروس الوالد ـ يعني الشيخ عمر ـ وهو لا يظهر أنه طالب علم ، فسأله عن أدلّة تفضيل الصدّيق على المرتضى عليهالسلام ، فذكر حديث : ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر (١) ، وأحاديث مثل ذلك كثيرة ، فردّ عليه (٢) ، ثم أخذ يذكر أشياء كثيرة تقتضي تفضيل المرتضى عليهالسلام ، فشتمه الوالد وقال : رافضي شيعي! وسبّه ، فسكت.
ثم إن صاحب الترجمة أمر بعض تجار العجم أن يصنع وليمة ، ويجمع فيها بين الوالد وبينه ، فاتخذ التاجر (٣) وليمة وجمع بينهما ، فأخبره أن هذا هو الملاّ بهاء الدين عالم بلاد العجم. فقال للوالد : شتمتمونا. فقال له : ما علمت أنّك الملاّ بهاء الدين ، ولكن إيراد مثل هذا الكلام بحضور العوام لا يليق (٤).
ثم ساق بعض ألغازه ، وجملة من إشعاره ، وقال : وكانت وفاته لاثنتي عشر خلون من شوال سنة إحدى وثلاثين وألف بأصبهان (٥) ، ونقل إلى طوس
__________________
(١) انظر كنز العمال ١١ : ٥٥٧ / ٣٢٦٢٢.
(٢) في المصدر : فردّ على الشيخ الوالد.
(٣) في المصدر : الخوجة فتحي.
(٤) وردت هنا زيادة في الحجرية : ثم قال : أنا سنّي أحبّ الصحابة ، ولكن كيف أفعل؟ سلطاننا شيعي يقتل العالم السنّي!؟ ولعلّها من الزيادات الغير مألوفة.
(٥) معادن الذهب : ٢٨٧ / ٥٤ ، وانظر كذلك أعيان الشيعة ٩ : ٢٣٧.