رضاك ، فقالت الصالحة : ليس الفقر عيبا في الرجال.
فهيّأ والدها المعظم مجلسا وزوّجها منه ، فلمّا كانت ليلة الزفاف ودخل عليها ، ورفع البرقع عن وجهها ، ونظر إلى جمالها ، عمد إلى زاوية وحمد الله تعالى واشتغل بالمطالعة ، واتفق أنّه ورد على مسألة عويصة لم يقدر على حلّها ، وعرفت ذلك منه الفاضلة آمنة بيكم بحسن فراستها ، فلما خرج المولى من الدار للبحث والتدريس عمدت إلى تلك المسألة وكتبتها مشروحة مبسوطة ، ووضعتها في مقامه ، فلما دخل الليل وصار وقت المطالعة وعثر المولى على المكتوب وحلّ له ما أشكل عليه سجد لله شكرا ، واشتغل بالعبادة إلى الفجر ، وطالت مقدمة الزفاف إلى ثلاثة أيّام ، واطلع على ذلك والدها المعظم فقال له : إن لم تكن هذه الزوجة مرضية لك أزوجك غيرها ، فقال : ليس الأمر كما توهم ، بل كان همّي أداء الشكر ، وكلّما اجهد في العبادة لا أراني أبلغ شكر أقل قليل من هذه العناية ، فقال رحمهالله : الإقرار بالعجز غاية شكر العباد.
وكان رحمهالله يقول : أنا حجة على الطلاب من جانب ربّ الأرباب ، لأنه لم يكن في الفقر أحد أفقر مني ، وقد مضى عليّ برهة لم أقدر على ضوء غير ضوء المستراح.
وأمّا في الحافظة والذهن فلم يكن أسوأ منى ، إذا خرجت من الدار كنت أضلّ عنها ، وأنسى أسامي ولدي ، وابتدأت بتعلّم حروف التهجي بعد الثلاثين من عمري ، فبذلت مجهودي حتى منّ الله تعالى عليّ بما قسمه لي.
وممّا منّ الله تعالى عليه وعلى زوجته الفاضلة الذريّة الطيبة وفيهم من العلماء الأبرار ، والصلحاء الأخيار جمع كثير ، قد شرحنا أساميهم الشريفة ونزر من أحوالهم في رسالتنا الفيض القدسي (١) ، من أرادهم راجعها.
__________________
(١) انظر بحار الأنوار ١٠٥ : ١٢٤.