يستدعيه السياق أن يكون الضمير لابن مريم ، والمراد بكونه مثلا ـ على ما قيل ـ كونه آية عجيبة إلهية يسير ذكره كالأمثال السائرة.
والمعنى : ليس ابن مريم إلا عبدا متظاهرا بالعبودية أنعمنا عليه بالنبوة وتأييده بروح القدس وإجراء المعجزات الباهرة على يديه وغير ذلك وجعلناه آية عجيبة خارقة نصف به الحق لبني إسرائيل.
وهذا المعنى كما ترى رد لقولهم : « أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ » الظاهر في تفضيلهم آلهتهم في ألوهيتها على المسيح عليهالسلام في ألوهيته ومحصله أن المسيح لم يكن إلها حتى ينظر في منزلته في ألوهيته وإنما كان عبدا أنعم الله عليه بما أنعم ، وأما آلهتهم فنظر القرآن فيهم ظاهر.
قوله تعالى : « وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » الظاهر أن الآية متصلة بما قبلها مسرودة لرفع استبعاد أن يتلبس البشر من الكمال ما يقصه القرآن عن عيسى عليهالسلام فيخلق الطير ويحيي الموتى ويكلم الناس في المهد إلى غير ذلك ، فيكون كالملائكة المتوسطين في الإحياء والإماتة والرزق وسائر أنواع التدبير ويكون مع ذلك عبدا غير معبود ومألوها غير إله فإن هذا النوع من الكمال عند الوثنية مختص بالملائكة وهو ملاك ألوهيتهم ومعبوديتهم وبالجملة هم يحيلون تلبس البشر بهذا النوع من الكمال الذي يخصونه بالملائكة.
فأجيب بأن لله أن يزكي الإنسان ويطهره من أدناس المعاصي بحيث يصير باطنه باطن الملائكة فظاهره ظاهر البشر وباطنه باطن الملك يعيش في الأرض يخلف مثله ويخلفه مثله ويظهر منه ما يظهر من الملائكة (١).
وعلى هذا فمن في قوله « مِنْكُمْ » للتبعيض ، وقوله : « يَخْلُفُونَ » أي يخلف بعضهم بعضا.
وفي المجمع ، أن « من » في قوله : « مِنْكُمْ » تفيد معنى البدلية كما في قوله :
__________________
(١) وليس هذا من الانقلاب المحال في شيء بل نوع من التكامل الوجودي بالخروج من حد منه أدنى إلى حد منه أعلى كما بين في محله.